دار حديث قبل أيام بوجود مجموعة من الشعراء والأدباء والمثقفين - حول قلّة العصامية وكثرة الاتكالية - وهناك من استشهد بالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة ونظريات علم النفس، وعلم الاجتماع، حتى أخذ طابع النقاش «طرحا شاملا» لا يتسع المدى هنا لتوثيقه، ولكنني سأستشهد بجزء يسير لعله يمثل وجهة نظر البعض من الحضور الذي أبدى أسفه لتفشِّي مثل هذا الأمر - وإن كان بشكل نسبي وليس مطلقا - وَضَمَّن امتعاضه أننا في مجتمع مسلم عربي سعودي نشأ على ما أمر الله به سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، وما حثنا عليه نبيه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم ما كان عليه أجدادنا، وآباؤنا، من رجولة وأخلاق فاضلة، وشجاعة، ونبل، وكرم على الرغم من شظف العيش حينذاك، يضاف لكل ذلك أن الخشونة من صفات الرجولة في مواجهة صلف الحياة وتقلباتها. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «اللهم اجعل رزق آل محمد قُوتاً» متفق عليه. «رزقهم قوتاً» أي كفافاً، وهو دعاء للسلامة من آفات الغنى والفقر. وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كان فِراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أَدَم حَشُوهُ لِيف» رواه البخاري «من أَدَمٍ حَشُوهُ لِيف» أي كان فراشه - صلى الله عليه وسلم - من جلدٍ مدبوغ، محشوّ بالليف، من شجر النخيل، وهذا من زهده - صلى الله عليه وسلم - في الفراش الناعم، وأضاف بعض الحضور في الشأن نفسه أن عدم تفعيل العصامية في نهج تنشئة الجيل من شأنه أن تُرجِّج كِفَّة الاتكالية التي تُحوِّل المنتج بعد أن يكون مستهلكا فقط إلى مُتسوِّل - أياً كانت الكيفية - إن لم يكن باستطاعته الحصول على المال بنفسه في عمل مشروع كانت قد تمّت تنشئته عليه منذ الصغر، وبالتالي من شأن التسوّل أن يذهب بكرامته لتكون سُدى في طريق رحلة (اللارجوع) وذهاب ماء الوجه والاعتبار يقول الشاعر أبو العتاهية: مَا نَالَ بَاذِلُ وَجْهِهِ بِسُؤَالِهِ عِوَضاً وَلَوْ نَالَ الْغِنَى بِسُؤالِ وَإِذَا النَّوالُ مَعَ السُّؤالِ وَزَنْتَهُ رِجَحَ السُّؤَالُ وَشَالَ كُلُّ نَوِالِ وأضاف: أن الشعراء الشعبيين - السابقين - بما تركوه لنا من حكم في إشعارهم تحث على العصامية والعمل وعزة النفس ومواجهة الحياة (لم يتركوا لغيرهم من الجيل اللاحق عذراً) في عدم السير على خُطى نهجهم - في المعنى الثابت المُشرِّف - وليس الأسلوب في الشعر لانه تبعاً لشاعرية كل شاعر ومدرسته الأدبية التي ينتمي إليها في أسلوب شعره يقول الشاعر مريبد العدواني: النوم راس اللوم بان الردى به عينٍ تَبَا النوماس نومه شلافيح الذيب ما يرقد ورزقه نهابه يدوّر الغرّات عند المصاليح اللِّي يَبَا الطولات يتعب ركابه العز باكوار النَّضا يا هل الفيح ويقول الشاعر الشريف جباره: لعل مالٍ ما يمَارَى به العدى ولا ينفع المضيوم لاهب نار رجلٍ بلا مالٍ له الموت راحه ومالٍ بلا فضلٍ غناته عار [email protected]