قرأتُ ما كتبه الشيخ فهد بن سليمان التويجري في مقاله المنشور في العدد رقم (14886) بعنوان (خطرٌ قديمٌ يتجدد) والذي تحدث فيه عن خطورة المبتدعة فأجاد وأفاد -جزاه الله خيراً ونفع الله به- ومن باب المشاركة في هذا الموضوع أقول وبالله التوفيق: أولاً: إنَّ الأمة الإسلاميَّة في الحاضر المعاصر تعيش ضعفاً جرَّأَ الأعداء عليها, فعاثوا في أرض المسلمين فساداً وإفساداً, وما كان هذا الضعف إلا لضعف الاعتصام بالكتاب والسنة وبُعدِ المسلمين عن دينهم الذي هو مصدر عزتهم, قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله). ثانياً: أنَّ أعظم أسباب ضعف المسلمين تمكُّن أهل البدع في البلدان الإسلامية وتأثيرهم على مجريات الأحداث فيها, كما حصل من ابن أبي دُوَاد -القاضي- في خلافة المأمون وبسببه امتحن المأمون علماء الإسلام؛ لأجل أنْ يقولوا بأنَّ القرآن مخلوق, ولأجل ذلك عُذِّب الإمام أحمد بن حنبل وضرب بالسياط, وشُدَّ عليها الوثاق في مسيره إلى المامون حتى كاد أنْ يسقط بسبب ثقل ما ربط به, ومن شدة تعذيب المأمون والمعتصم له, يغشى عليه ويفقد وعيه- يغمى عليه- وفي زمن هذه الفتنة العظيمة انتشر أهل البدع وأظهروا بدعهم, وعُرِّبت كتب الفلاسفة اليونانيين التي زادت الأمة ضعفاً إلى ضعفها؛ لما فيها من السفسطة والعلوم البالية الهزيلة والخزعبلات ما لا يخفى على ذي لبٍّ, وعلى ذلك ضعف أهل السنة وامتحنوا وقوي أهل البدع وظهروا, ولم يزل الإمام احمد -رحمه الله- في حالٍ من السجن والتعذيب إلى أنْ تولى الخليفة الصالح ناصر السنة (المتوكل) رحمه الله فانتصر للسنة وأخرج الإمام أحمد من السجن في قصةٍ مشهورة, ذكرها كثيرٌ من علماء الإسلام. ونحن نشاهد الآن ظهور البدع في غالب البلدان الإسلاميَّة, وغربة أهل السنة والاجتماع على محاربتهم. ثالثاً: كثرة الطاعنين من المبتدعة في شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- واتهامه بالباطل, والتزهيد في دعوته, وأنها دعوةٌ لا تصلح في وقتنا الحاضر, وأنها دعوة تقليديَّة كما زعموا, وليس طعنهم لشخصه, بل لأنَّه أخذ على عاتقه دعوة الناس إلى التوحيد وإقامة الحجة على أهل البدع من القبوريين الذين يطوفون على القبور ويطلبون المدد من أصحابها, ويطلبون منه أنْ يشفي مريضهم, وتطلب منه المراة أنْ تحمل أو أنْ ترزق بزوج, فإن لم يتركوا ما هم عليه من تلك الشركيات بعد تبين الحق لهم, قاتلهم على ذلك, بمناصرةٍ من الإمام المجاهد محمد بن سعود -رحمه الله- فنصر الله هذه الدولة وأظهرها على غالب الجزيرة العربية, وزالت منها مظاهر الشرك والبدع وأعزَّ الله بها الإسلام وأهله, ورفعت راية السنة, وناصرت المسلمين في أماكن كثيرةٍ من العالم, وأنشأت المراكز الإسلاميَّة وأرسلت الدعاة والعلماء, فلله الحمد والمنَّة ونسأله سبحانه أنْ يحفظ المملكة العربيَّة السعوديَّة ويزيدها تمسكاً بالدين وثباتاً عليه ويزيدها قوةً إلى قوتها. رابعاً: وجوب اعتصام المسلمين بالكتاب والسنة وعدم جواز التفرق والتحزب, فما أضر الحزبيات المقيتة التي يصبح البعض ويمسي على موالاتها أو معاداتها, وأصبح أتباع كل حزبٍ يتهم أتباع الحزب الآخر, وكلٌّ منهم في نظره أنَّه متبعٌ للحق وسائرٌ عليه. فالجماعات اليوم تفرِّق ولا تجمع, وتهدم ولا تبني, ويجتمع فيها من المتناقضات ما يبين خللها والأسس التي بنيت عليها, أمَّا أهل السنة فهم جماعةٌ واحدةٌ لا جماعات, وحزبٌ واحدٌ لا حزبيَّات, يتبعون ولا يبتدعون, ولا يقدِّسون الأشخاص, بل يقدِّسون القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة, ولا يقدمون عليها قول قائل, ولهما يوالون وعليهما يعادون, وبهما يعتصمون, وعليهما يجتمعون وبهما ينتصرون. خامساً: وجوب تحذير الأمة من البدع وأصحابها الذين يظهرونها, ووجوب الرد عليهم وبيان حالهم حتى لا يغتر بهم مغتر وهذا من النصيحة الواجبة وما زال العلماء يردون على المبتدعة, ويبيون العقيدة الصحيحة ويدعون الناس إليها بدءاً من علماء الصحابة من الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين, وفقهاء الصحابة ومنهم عبدالله بن مسعود, ومعاذ بن جبل, وحذيفة بن اليمان, وعبدالله بن عباس, وعبدالله بن عمر, وأبي موسى الأشعري وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم. وكذلك من أتى بعدهم من التابعين وتابعيهم المقتفين أثرهم من الأئمة الأربعة ومحققي علماء الإسلام مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وتلامذته. وكذلك شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب وإلى أتباعهم بإحسان. سادساً: حاجة الأمة إلى العلماء الذين يدعون إلى التوحيد؛ لما في العالم الإسلامي من أضرحةٍ على القبور, تزار و يمارس فيها الشركيَّات من دعاء أصحابها من دون الله والذبح والنذر لهم, فإذا هيَّأ الله علماء يدعون إلى توحيد الله ويحذرون وينهون عن كل ما يناقض التوحيد وزالت البدع والشركيَّات عن البلدان الإسلاميَّة, فليبشر المسلمون بالنصر والتمكين على الأعداء. سابعاً: خطورة الخوارج والشيعة بفرقهم المتعددة مثل الإسماعيليَّة والنصيريَّة والاثنا عشريَّة وخطورة المرجئة والجبرية والمعتزلة والصوفية, وغيرهم من الفرق الضالة من أعداء السنة, الذين يجتمعون كلهم على حرب السنة. ثامناً: وجوب العودة الحقيقية للعقيدة الصحيحة وأهمية غرسها في الأجيال القادمة ومجاهدة المخالفين لها بكلِّ ما نستطيع من قوة, فالعالم بقلمه ولسانه وبيانه, والحاكم بما آتاه الله من قوة, فمتى أعلن الجهاد وأمر بالنفير نصرةً للدين وجب الجهاد تحت لوائه أو مع من ينيب. تاسعاً: أنَّ كلَّ داعيةٍ للتوحيد سوف يتهم ويعادى وسيلقى من أذى المبتدعة شيئاً كثيراً, فعليه أنْ يحتسب ويصبر, فالعاقبة لأهل الحق مهما عاند أهل الباطل وكابروا, وما بعث الله الأنبياء والرسل إلا لدعوة الناس لتوحيد الله وإفراده بالعبادة وتحقيق كامل العبودية له جل وعلا. ودعاة التوحيد هم ورثة الأنبياء الذين ورثوا عنهم العقيدة الصحيحة وفقه الكتاب والسنة. عاشراً: أذكر بعض نقولات السلف الصالح في التحذير من المبتدعة, فعن نافع مولى ابن عمر- رضي الله عنهما- أنَّ صبيغاً العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين حتى قدم مصر، فبعث به عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب، فلما أتاه الرسول بالكتاب فقرأه، فقال: أين الرجل؟ فقال: في الرحل قال عمر: أبصر أنْ يكون ذهب فتصيبك مني به العقوبة الموجعة، فأتاه به، فقال عمر: تسأل محدثة، فأرسل عمر إلى رطائب من جريد فضربه بها حتى ترك ظهره دَبُرة ثم تركه حتى برأ، ثم عاد له، ثم تركه حتى برأ، فدعا به ليعود له، قال: فقال صبيغ: إنْ كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً، وإنْ كنت تريد أنْ تداويني فقد والله برأت، فأذن له إلى أرضه، وكتب إلى أبي موسى الأشعري: أنْ لا يجالسه أحدٌ من المسلمين، فاشتدَّ ذلك على الرجل، فكتب أبو موسى إلى عمر: أنْ قد حسنت توبته، فكتب عمر: أنْ يأذن للناس بمجالسته» وقاعمر بن الخطاب- رضي الله عنه- «إيَّاكم وأصحاب الرأي، فإنهم أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أنْ يحفظوها، فقالوا بالرأي، فضلوا وأضلوا». وعن أبيٍّ رضي الله عنه قال: (إنَّ اقتصاداً في سبيلٍ وسنةٍ خيرٌ من اجتهادٍ في خلاف سبيلٍ وسنَّة. فانظروا أنْ يكون عملكم إنْ كان اجتهاداً واقتصاداً أنْ يكون ذلك على منهاج الأنبياء وسنتهم» وعن عمر بن يحيى قال: سمعت أبي حدث عن أبيه قال: «كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعودٍ قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال: أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلمَّا خرج قمنا إليه جميعاً، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن، إني رأيتُ في المسجد آنفا أمراً أنكرته، ولم أر والحمد لله إلا خيراً، قال: فما هو؟ فقال: إنْ عشتَ فستراه، قال: رأيتُ في المسجد قوماً حلقاً جلوساً ينتظرون الصلاة، في كل حلقةٍ رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، ويقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة. قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئاً انتظار رأيك أو انتظار أمرك، قال: أفلا أمرتهم أنْ يعدوا سيئاتهم، وضمنت لهم أنْ لا يضيع من حسناتهم، ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقةً من تلك الحلق، فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن، حصى نعدُّ به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامنٌ أنْ لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمَّة محمدٍ ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده، إنكم لعلى ملةٍ هي أهدى من ملة محمدٍ أومفتتحو باب ضلالة؟ قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريدٍ للخير لن يصيبه، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أنَّ قوماً يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وايم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم، فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الخلق، يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج». وعن قيس بن أبي حازم قال: «ذكر لابن مسعودٍ قاصٌّ يجلس بالليل ويقول للناس: قولوا كذا وقولوا كذا، فقال: إذا رأيتموه فأخبروني، قال: فأخبروه، فجاء عبد الله متقنعاً فقال: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا عبد الله بن مسعود تعلمون أنكم لأهدى من محمدٍ صلى الله عليه وسلم وأصحابه أو إنكم لمتعلقون بذنب ضلالة» وقال: «إنا نقتدي ولا نبتدي، ونتبع ولا نبتدع، ولن نضل ما تمسكنا بالأثر» وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:»كلُّ بدعةٍ ضلالة، وإنْ رآها الناس حسنة» وقال ابن عباس في قوله تعالى: (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) أمَّا الذين ابيضت وجوههم فأهل السنة والجماعة وأولو العلم. وأمَّا الذين اسودت وجوههم فأهل البدع والضلالة» وقال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله-: «خذوا من الرأي ما يصدق من كان قبلكم، ولا تأخذوا ما هو خلاف لهم؛ فإنهم خير منكم وأعلم» وقال مجاهد في قوله تعالى-: (ولاتتبعوا السبل) قال: البدع والشبهات» وقال حسان بن عطية: «ما ابتدع قومٌ بدعةً في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها، ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة» وقال مالك: «بئس القوم هؤلاء أهل الأهواء لا يسلَّم عليهم» وقال ابن الماجشون: سمعت مالكاً -رحمه الله- يقول: «من ابتدع في الإسلام بدعةً يراها حسنةً فقد زعم أنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة؛ لأنَّ الله يقول: (اليوم أكملت لكم دينكم) فما لم يكن يومئذٍ ديناً فلا يكون اليوم ديناً» وقال الفضيل بن عياض-رحمه الله-:»من جلس إلى صاحب بدعةٍ فاحذروه». وقال: «من أعان صاحب بدعةٍ فقد أعان على هدم الإسلام» وقال: «من زوَّج كريمته من مبتدعٍ فقد قطع رحمها». وقال الشافعي-رحمه الله-: «لأن يلقى الله العبد بكل ذنبٍ ما خلا الشرك خيرٌ له من أنْ يلقاه بشيءٍ من الأهواء». وهكذا أخي القارئ الكريم قد قرأت هذا الموضوع المهم الذي أسأل الله أنْ ينفع به كاتبه وقائله وقارئه وناشره, وأسأل الله أنْ يعز الأمة الإٍسلامية وأنْ يعيد لها سيادتها ويظهرها على أعدائها, إنَّه سميع مجيب. عمر بن عبدالله بن مشاري المشاري - خطيب جامع بلدة الداخلة في سدير