أعاد مسلسل (أبو الملايين) من جديد المشكلة (الأزلية) في الكوميديا الخليجية وهي عدم وجود النص المتماسك (المحبوك) بطريقة متقنة لا يوجد بها ثغرات أو أخطاء فنية واضحة، لذلك ظهر النص بحبكة (بلهاء) ومملة اتضحت عيوبها بعد الحلقات الثلاث الأولى. وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي قاما بها كل من النجمين حسين عبد الرضا وناصر القصبي لتغطية هذه العيوب إلا أنهما لم يتمكنا من سد الثغرات الواضحة والكبيرة في النص. مشكلة (أبو الملايين) كانت في عدم وجود معالجة درامية جيدة وواضحة للنص وعندما أقول مُعالجة درامية أعني تطوير البناء الدرامي للقصة، توسيع الأحداث بطريقة مقنعة ومحبوكة، إضافة إلى ذلك رَسم الشخصيات الرئيسية والجانبية بشكل جيد يتناسب مع الأحداث وكذلك مع (الكراكتر) الكوميدي لكل شخصيه على حدة. القصة : كان واضحاً منذ البداية أن كاتب العمل لديه نفس قصير في الكتابة، وكان يصعب عليه تطوير الأحداث بطريقة مُشوقة وجذابة، لذلك لجأ المُخرج إلى بعض (الحيل) كي يُحاول أن يُطور بعض الأفكار في النص، لكن هذه الحيل بدت تضعف بعد الحلقة الخامسة، وكان حرياً بفريق العمل أن يأخذ النص ويقوم بتشكيل ورشة عمل من أجل تصحيح العيوب الموجودة وتطوير البناء الدرامي بمعالجة نقاط الضعف في عناصره الأساسية. إضافة إلى ذلك لم يُحسن الكاتب إيصال الرسائل التي كان يُريدها أن تصل للمتلقي، فلاحظنا في الحلقة الأولى أن عند دخول الأخ الأكبر (صقر) الذي يُجسد دوره الفنان حسين عبد الرضا للمستشفى، أراد الكاتب أن يُوضح مُشكلة الأخطاء الطبية ولكنها كانت بطريقة (ساذجة) وغير مُجدية. والفكرة الأخرى كانت عن البيطري حيث أراد الكاتب من خلال الحوار أن يُبرهن لنا أن الطبيب البيطري له مكانته العلمية، لذا يجب أن (تزول) النظرة الدونية ولكن مع تصاعد الأحداث نجد أن الأفعال الدرامية تبرهن عكس ذلك، وهُنا تبرز مرة أخرى أهمية المعالجة الدرامية للنص المكتوب. بشكل عام عدم وجود المعالجة الدرامية جعل المتلقي لا ينجذب مع الأحداث بعد الحلقات الخمس الأولى لأنها (باتت) مُملة وذات إيقاع ثقيل على المتفرجين. الشخصيات: بلا شك (أبو الملايين) ضَم أفضل ثنائي كوميدي في الوطن العربي القصبي وعبد الرضا. هذان الفنانان لديهما طاقات كوميدية هائلة بل (مجنونة) ولكن في عمل طويل كهذا لا يستطيعان مهما بلغا من الإبداع أن يستمرا في إصلاح عيوب (النص) لذلك وجَد المُشاهد نفسه يبتعد عن العمل بعدما اتضحت عيوبه وبدأت كوميديا الموقف تقل وتتكرر في أحيان كثيرة. التناغم بين الشخصيات الكوميدية مطلوبة بل يكاد يكون شرطا أساسيا في نجاحها لذا لم يكن هناك تناغم بين بعض الشخصيات في العمل وعدم وجود هذا التناغم لا يُلغي نجاح نفس الفنان في أدوار أخرى، فمثلا لم يكن الفنان أحمد العونان الذي جسد شخصية (علاوي) مُساعد الطبيب البيطري مُتناغماً مع شخصية ناصر القصبي أبداً. وكذلك لم يكن مُناسباً للفنانة وجنات الرهيبني التي قامت بدور (فوفو) أن تتقمص هذه الشخصية لأنها عوضاً أن تكون عامل جذب للمتلقي أصبحت العكس. الإخراج: الإخراج الكوميدي يختلف تماماً عن التراجيدي، فعندما تكون متميزاً في الإخراج التراجيدي لا يعني بالضرورة أنك ستُبدع في الكوميديا، وهذا ما لم يدركه جيداً المخرج محمد الشمري الذي يُصنف من أفضل المخرجين في سماء الدراما الخليجية. فبكاميراته ذات الإيقاع البطيء (قَتل) روعة بعض المَشاهد الكوميدية، وإضافة إلى ذلك لم يُخرج كل ما لدى الفنانين المشاركين من طاقات تمثيلية لذلك ظهرت الأفعال الكوميدية قليلة على الرغم من أن هُناك مساحة واسعة كانت يجب أن تُستغل من قبله. في مسلسل (أبو الملايين) عدنا مرة أخرى للمعضلة التي كانت ولا زالت صناعة الدراما الخليجية بنوعيها الكوميدية والتراجيدية تعاني منها (النص).