قليلون أولئك القابعون خلف تشكيلات الحرف يرسمون لوحاتهم بألوان من كواكب المجرات الأخرى بترانيم وأنغام تذهلنا تارة وتصفعنا تارةً أخرى، لسطحية مداركنا لنبتلع الصمت من أعيننا هم غير الكل والكل يرسم؛ لأنهم يرسمون والحرفيون أيضا يرسمون ولكن أولئك يختزلون المعنى من طاقات الأفكار ويرسمون آلام الإنسان بطيف الألوان. لو كنا وتجليات نموذج مغاير عن السائد بالمشهد التشكيلي السعودي أبدعتهما الكاتبة والتشكيلية تركية الثبيتي التي قل نظيرها بين الفنانين فهي تجمع بين توأمين الحس الأدبي والرؤية التشكيلية بشكل من التواتر والانصهار لتحول منجزاتها التشكيلية إلى مفردات نصية أدبية ضمن نسق من الدلالات والرموز فتعكس لنا رؤيتها الفكرية والفلسفية من اللوحة إلى خارج إطار اللوحة. معرض «لو كنا» تركية تخبرنا بلوحاتها «أعود بالذاكرة إلى الأمس عندما أخذتُ بيدي ومرت بي على كل أطراف الكون قلتُ للأرض: أيتها الأرض الطيبة من أحب الناس إليك؟ لقالت: من عاد لي تراباً كما كان. قلت: كلنا نعود إليك تراباً. قالت: كلكم تعودون محملين بالآثام. وظللت أبحث في التراب عن آثامنا التي لا تنقطع صَمَتَ عني التراب كثيراً وكأنه يخبئ الأسرار كما تخبئها قلوب الأوفياء». من هذا النص الأدبي التشكيلي نوقن أن تركية أجادت إنتاج الرؤية التشكيلية بالمفهوم الأدبي والأنساق التعبيرية لتتخطى بذلك ما يسمى إشكالية الفكرة لدى المتلقي أو القارئ التي نجدها في كثير من المعارض بالمشهد التشكيلي السعودي -غير مكتملة الرؤية الفكرية- لتأخذ القارئ لتأويلات متعددة وهذا نتاج طبيعي لأن منتجها يفتقر إلى الأسس الفكرة. أما معرض «لو كنا» يقف بنا أمام لغة مرئية قابلة للوصف والإدراك تساعد القارئ على قراءة اللوحة وتحليلها ليكون جزءًا لا يتجزأ من اللوحة وذلك بإيجاد حوار فكري يختزل حكايات لبها الإنسان فهو أشبه بمن يرتشف القهوة بعينيه فالفنانة أوجدت حالة من الترابط الفعلي والبحث بين اللوحة والقارئ من خلال الرسائل والإيحاءات المراد إيصالها. فبين القهوة وتركية عقدت اتفاقية على مدى عامين ونيف انصهرتا معاً ذابتا معاً فكانت بمثابة البطل لمسرحية شكسبيرية الملهمة للأفكار فتكسر بدورها الإطار لتحكي لنا حكاية الأم مع الغيوم والأمطار والوجع والانتظار لتنهي حكايتها بتساؤلات كبيرة تتخطى بحجمها أشعة الشمس وسطوة الضباب. [email protected] twitter@jalalAltaleb - فنان تشكيلي