وكأن مصر قد تجاوزت كل مشاكلها ومحنها التي افتعلتها النخب الحاكمة والمعارضة من السياسيين الذين ثبت تفضيلهم مصلحة الحزب والجماعة على مصلحة مصر. وكأن مصر عالجت المشاكل التي تحاصر شعبها ليشعل رواد الفتنة مشكلة كبرى لا تقتصر على تفجير الفتنة الطائفية بين المسلمين والأقباط المسيحين، ولكن استعداء العالم المسيحي بأكمله ضد مصر. المصريون جميعاً مسلمين ومسيحيين يعرفون ويعون تماماً أن من يفجر المشاكل والاضطرابات بين المسلمين والأقباط نفر من المتشددين من كلا الطرفين، وأن تفجير الفتن بين شركاء الوطن الواحد خرج عن سياقه الديني ليستغل سياسياً، إلا أنه وكما حصل يوم الأحد استغلال خطير وخطير جداً، فهذه المرة استهدف مفجرو الفتن رمز الأقباط في العالم، ومقر بابا الأقباط وبالتالي فإن الفتنة لا بد وأن تشتعل إلى خارج مصر وإلى كل مكان يتواجد فيه الأقباط، فالكتدارئية المرقسية في العباسية ليس مجرد كنيسة مثل تلك الكنائس التي استهدفها المتشددون واعتدوا عليها وحرقوها فالرمز هنا مهم وهو مقدس لدى الأقباط المسيحيين يتوازى مع ما لدى الكثوليك المسيحيين، فهل يسمح بالاعتداء على الفاتيكان وكنيسة القديس بطرس؟! هذا عبث وإشعال لنيران مصر في غنى عنها وكان يجب أن يضرب عقلاء مصر على أيدي الجهلاء الذين يفجرون مثل هذه الفتن الخطيرة. ثم إن واقعة الاعتداء تحمل تجاوزات خطيرة لا تهدد المسيحيين الأقباط في مصر، بل تهدد أمن ووحدة مصر وهوية مصر التي عرفت بالتسامح ووطن الشركاء المتحابين، فالاعتداء الذي استهدف الكاتدرائية المرقسية في العباسية تم أثناء تشييع جثامين أربعة من الأقباط المسيحيين قتلوا في أحداث طائفية في قرية الخصوص العشوائية في محافظة القليوبية، وهي أحداث فجرها شخص متشدد مثير للفتن اعتاد القيام بمثل هذه الأعمال غير المسؤولة ولم يحاسب مما شجعه على تكرار أفعاله. الاعتداء على الكاتدرائية المرقسية في العباسية التي تمثل رمزاً مقدساً لدى جميع الأقباط حتماً سيكون لها امتدادات وتفرعات وتداعيات تتطلب من الجميع في مصر وبالذات النخب السياسية ورجال الدين أن يتحركوا بسرعة ويطوقوا تداعيات هذه الفتنة التي إن لم يتم تطويقها ستحرق مصر ومن أشعلها، وعلى حكماء مصر أن يضربوا بشدة على أيدي السفهاء الذين لا يستشعرون الخطر الذي يحيق ببلادهم. [email protected]