أهداني صديق العمر والدراسة والمهنة الدكتور محمد المفرح إصداره اللطيف الظريف عن ما سجلته ذاكرته في عيادته من مواقف وطرائف وانطباعات، ومن تداخلات القديم بالجديد والعلم بالخرافة والتراث بالحداثة، وفي التعامل مع العقليات المختلفة للمراجعين في عيادته. الكتاب تحت عنوان: في عيادتي. الدكتور محمد المفرح غني عن التعريف، فهو من أشهر الاستشاريين في الطب الباطني على مستوى الداخل السعودي والعالم العربي. إسهاماته التشخيصية والعلاجية خلال عدة عقود تحتاج إلى كتاب كبير، ومساهماته الإدارية والبحثية يعرفها أكثر زملائه في كليات الطب ووزارة الصحة والمستشفيات. أعود للكتاب الذي قدَّمه الدكتور محمد المفرح للقراء في بداية هذا العام 1434ه. يتضح هدف المؤلِّف منذ قراءة المقدمة، حيث يحدّد الدكتور المفرح أن فكرة الكتاب مستوحاة من المرضى أنفسهم، أي مما يقولون ويعنون ومما يريدون قوله ويعبِّرون عنه بأساليبهم الخاصة في وصف شكاواهم بطريقة لا يستطيع استنباطها سوى الأطباء من أبناء الوطن أو من طرائقهم في التعبير الممزوج إما بالسخرية أو الجدية، بالشاعرية أو الفلسفة البسيطة والظرافة المازجة بين كل هذه الخصائص. المرضى عموماً مختلفون في المشارب والمفاهيم والعادات واللهجات، وكذلك تأتي شخصياتهم مختلفة ومتنوِّعة أمام الطبيب، وعليه أن يفرز الطبائع ويفهم المفردات ويصنف النفسيات حسب فطنته وخبرته. تأخذ التعبيرات الدارجة والأمثال الشعبية ذات العلاقة بالصحة والمرض، والممارسات التقليدية التي مرَّ بها المريض قبل عرض حالته في العيادة، تأخذ هذه الجزئيات من المحتويات العديدة للكتاب الحيز الأكبر، وتقدّم للقارئ الجزء الإنساني من الدعوة للاستمتاع ومشاركة المؤلِّف في ضحكاته المكبوتة على ما يشاهده ويسمعه ويتعرّض له في حياته الطبية العملية اليومية. يكشف الكتاب بجلاء أيضاً عن مواهب أخرى للدكتور محمد غير مواهبه الطبية، منها روحه الفكاهية المنفتحة على مختلف الأمزجة والنفسيات لمراجعيه، وموهبته الشعرية في المجالين النبطي والفصيح، ليس حفظاً وروايةً فقط، بل ونظماً أيضاً، بالإضافة إلى حكمته في الطب فهو الطبيب الحكيم. في الصفحة 169 يداعب الدكتور المفرح وزير الصحة السابق الزميل الدكتور حمد المانع بقصيدة نبطية من عشرين بيتاً، ولكن لأنها ممتعة وجديرة بالقراءة، فلن أفسد عليكم المتعة آملاً أن تقرؤوا الكتاب.