علاقتي بالأستاذ الدكتور محمد عبدالله المفرح الطبيب الباطني المشهور والمتميز في المناظير تمتد لأكثر من نصف قرن من الزمان وذلك حينما وجدته في أحد الأيام واقفا أمام بيت جدته لأمه يحاول فتحه وكان حينها يدرس الطب في ألمانيا، وكنا صبية صغاراً لم نتجاوز العاشرة من العمر نلعب الكرة أمام بيت جدته وقد استعصى عليه فتح الباب الذي كان من الخشب ويسمى المجرى ومفتاحه أيضا من الخشب وله أسنان من الأعواد وكان عليه أن يدخل يده من خلال فتحة في الجدار ليفتح الباب من الداخل، فما كان مني وأنا أرمقه من قريب إلا المسارعة لمساعدته وقد سر جداً بهذا وشكرني ومن ذلك التاريخ لم تنقطع صلته بذلك الفتى الذي ساعده في فتح الباب حينما عاد إلى المملكة وهو يحمل أعلى الشهادات في الطب. ثم شاء الله سبحانه وتعالى وبعد عودتي من الدراسة في أمريكا وقبل سفري إلى مصر للعمل هناك أن أجاور الدكتور في أحد أحياء شمال مدينة الرياض بل وبنفس الشارع الذي يقطنه يجمعنا مسجد واحد نتقابل فيه بين الفينة والأخرى ما وطد العلاقة أكثر وأكثر بأبي طارق. هذه مقدمة رأيت أن أبدأ بها حديثي عن كتابه الشيق والجديد في موضوعه، المعنون ب(في عيادتي).. محمد المفرح صاحب الأخلاق العالية غني عن التعريف فهو من أشهر الاستشاريين في الطب الباطني ليس على مستوى المملكة فحسب بل على مستوى العالم العربي، ومساهماته البحثية يعرفها الكثير من زملاء المهن في كليات الطب والمستشفيات. قابلته صدفة، وربما صدفة خير من ألف ميعاد، في احد الأيام الأخيرة للمعرض الدولي للكتاب المقام في الرياض هذا العام ومن محاسن الصدف أن اللقاء تم مع أخوين فاضلين هما د. محمد آل زلفة، والأستاذ تركي بن ناصر السديري صاحب كتاب (الإسلام والرياضة) الذي حاز على الجائزة الأولى بمعرض الرياض الدولي للكتاب هذا العام. وقد أصر د. محمد المفرح على شراء ثلاث نسخ من كتابه المشار إليه من إحدى دور النشر وأهدى كلّ واحد منا نسخة منه بإهداء كريم خطه بيده حيث إن ريع الكتاب تبرع به إلى بعض الجمعيات الخيرية. وقد بعث معي بنسخ من الكتاب إلى معالي الشيخ الوالد سليمان الفالح مستشار وزير الداخلية والذي كثيرا ما كنا نتقابل في ديوانية معاليه. لقد جاء في مقدمة الكتاب: (إن فكرة الكتاب مستوحاة من المرضى أنفسهم أي مما يقولون ويعنون، ومما يريدون الحديث عنه بأساليبهم الخاصة في وصف شكواهم فضلاً عما يصاحب حالات العرض من طرائف في التعبير الممزوج إما بالسخرية أو الجدية)، كما أنهم يتبعون أساليب مختلفة في وصف شكواهم وغالباً ما تكون بأسلوب عفوي أو ساخر أو بسيط أو حاد أو شاعري أو فلسفي أو مزاجي أو طابعه الظرافة أو يكون مزيجاً بين هذا وذاك.. صدقت يادكتور إن كتابك لم يخرج عن هذا الإطار. والملفت للنظر في أحاديث المرضى التي اشتمل عليها الكتاب أنها تشتمل على أوصاف وعبارات تشبيهية من واقع البيئة؛ حيث يحتاج السامع وخاصة إذا كان طبيباً إلى تفكيك رموزها ومعرفة مفرداتها إلى جهد وقدرات لاتتوفر إلا في رجل مثل الدكتور والشاعر بل والأديب محمد المفرح. إن العشرين عاماً ونيفاً وهي المدة الزمنية التي استغرقها إعداد هذا الكتاب والتي أنصت فيها استشاري الطب الباطني وطب الجهاز الهضمي الدكتور محمد المفرح إلى مراجعي عيادته الخاصة بطريق الملك عبدالله يسجل في مذكراته اليومية بعض ما يسمعه من مرضاه بإنصات وهم يبثون إليه معاناتهم المرضية بطرق وأساليب شتى لا يخلو بعضها من الطرائف والجمل الركيكة الموغلة في العامية. ما أحوجنا اليوم إلى مثل هذا النوع من الأطباء الذين جلّهم ولا أقول كلهم لا يلتزمون بمثل هذا الإنصات للمريض مع الأسف الشديد بل ينصرفون إلى اعتمادهم على الأجهزة الحديثة في تشخيص المرض دون دراسة وفهم الحالة النفسية للمريض ومن ثم ينشغلون بكتابة وصفة العلاج دون أن يصغوا بشكل كامل إلى شكوى المريض ومعاناته مع المرض قبل أن يترجموها إلى الإجراء الطبي المطلوب. إن هذا الكتاب يكشف بجلاء عن مواهب أخرى لأبي طارق غير مواهبه الطبية - متعه الله بالصحة والعافية - مثل موهبته الشعرية الفصيح منه والنبطي والذي حتى أقرب المقربين إليه لا يعلم عن تلك الملَكة شيئاً إلا بعد صدور كتابه (في عيادتي)، والذي آمل ألا تكون شهادتي فيه مجروحة بحكم العلاقة الوطيدة التي تجمعنا والصداقة القديمة المتجددة. فشكراً لأبي طارق على كتابه الجميل والذي آمل أن تتبعه كتب أخرى طبية أو أدبية أو شعرية..