كانت، ومازالت هناك دعوات بعرض الميزانية السنوية للدولة على مجلس الشورى، إما لإقرارها، أو لإبداء ملاحظات حولها، وأي من هذين الاقتراحين هو أفضل، مما هو عليه الوضع اليوم، لتطوير أسلوب إقرار الميزانية، وتطوير دور مجلس الشورى. عملت في وزارة المالية لسنوات، وقبل خمسة وعشرين عاماً، عرض عليّ منصب وكيل الوزارة لشؤون الميزانية، واعتذرت عنه، ولا أدري إن كان الوضع قد تغيّر كثيراً عن ذلك الوقت، ولكن الأسلوب المتبع في حينه، كان هو أن تعقد اجتماعات اعتباراً من الشهر الثامن، تشارك بها الجهة الطالبة للميزانية، ومندوب من وزارة التخطيط، ومندوب من وزارة المالية، وكثيراً ما تنتهي محاضر تلك الاجتماعات بتأييد طلبات الجهات الحكومية، بميزانيات كافية، ولكن وزارة المالية تتجاهل تلك الطلبات، وفي النسخة النهائية، تقرر ما تراه، بعيداً عن الجهة ذات العلاقة، أو حتى وزارة التخطيط، أي أن كل جهد الأربعة أشهر هو تمرين ضائع، وقد قال لي أحد الوزراء: إنه وصل إلى قناعة بأنه لا فائدة من إرسال مندوب، «ودع وزارة المالية تقرر ما تراه». وزير آخر قال لي: إنه عند عقد الجلسة الرسمية لإقرار الميزانية، فكل وزير يكون حريصاً، ليس على مشاريع وزارته الرأسمالية، أو مصاريفها التشغيلية، وإنما على طلباته بإحداث وظائف عليا للموظفين الذين يحاول الاحتفاظ بهم، وهذا هو أكبر همهم!! وما دمنا بصدد الحديث عن الميزانية، فلابد من الحديث عن الخطة، فجميع الخطط الخمسية مثالية، وجيدة في صياغتها، ومحتواها، ولكن مشكلتها هي في أنه ليس لها سلطة على الميزانية، فكثير من مشاريعها يتم تجاهلها، وتحلّ مشاريع أخرى، غير موجودة في الخطة مكانها، بدون مشاركة وزارة التخطيط. في عقد الثمانينات، كنت عضواً في مجلس إدارة الشركة السعودية التونسية للتنمية، وهي شركة حكومية، أسست بين البلدين، لدعم مشاريع التنمية في تونس، وكان ذلك خلال المرحلة البورقيبية، وفي ذلك الوقت، وبسبب التأثير الفرنسي، فقد كانت كل قرية، ومدينة نزورها، تعطينا نسبة عدد السرر الطبية إلى مجموع سكان القرية، أو المدينة، ومثلها نسبة عدد المقاعد الدراسية، وغيرها من الخدمات الاجتماعية، وكان دور وزارة التخطيط أساسياً في حصول كل المناطق، والمدن، والقرى، على نسب متساوية (كانت تلك هي الصورة الوردية التي رسمت لنا، والمفارقة اليوم هي أن محمد بوعزيزي، بائع الخضرة التونسي، هو من فجر الغضب العربي؟!). أخيراً أود أن أتساءل: ماذا لو عرضت الميزانية على مجلس الشورى، وتركت بنود معينة لصاحب القرار الأول، ونائبه، ألا نكون في وضع أفضل؟ وألم يحن الوقت لأن تكون لدى صاحب القرار قنوات، ونوافذ أخرى حول الميزانية، بجانب رأي وزارة المالية؟! أعتقد ذلك. [email protected]