تاريخياً من أصعب الأمور التي نمر بها في حياتنا اليومية، نحن معشر العاملين في القطاع الخاص، أن يتوسط صديق لتدبير وظيفة لخريج ثانوية، أو خريج جامعي، في تخصصات نظرية لا يحتاجها القطاع الخاص، ولكن مؤخراً أمكن مقاومة تلك الضغوط، لأن خريج الثانوي، لم يعد بالإمكان إيجاد وظيفة تتناسب مع طموحاته، بسبب ذلك الكم من الجامعيين العاطلين، وبالنسبة للجامعيين ذوي التخصصات النظرية، فهم أيضاً لا يحققون متطلبات القطاع الخاص. ربما خلصنا من إحراجات تلك الحالات، ولكن اليوم بدأنا نواجه بطلبات توظيف خريجي جامعات بتخصصات جيدة، ومطلوبة، وكثير من تلك الطلبات هم لخريجي برنامج الملك عبد الله للبعثات، ومن جامعات مرموقة، ولا نجد لهم وظائف!! كيف حدث ذلك؟ قبل سنوات، ولعدة سنوات، كان هناك مجلس القوى العاملة، برئاسة سمو الأمير نايف رحمه الله، وأشرك المجلس شريحة عريضة من رجال الأعمال، في ندوات، ومؤتمرات، لمناقشة سبل زيادة نسبة السعودة، وخرجت تلك المؤتمرات المشتركة بين القطاعين العام والخاص، بعدد كبير من التوصيات العملية، بعضها يتحدث عن حلول قصيرة، ومتوسطة، وطويلة الأجل. ومع الأسف أن المجلس قد ألغي، ومن ثم وضعت توصياته، على أهميتها، على الرف. رغبت استذكار نتائج ذلك الجهد، لأنه كما قلت اشتملت على حزمة من حلول لا بد من تظافرها جميعاً، وليس حلاً أو حلين فقط. وبدون ذلك سنستمر في التخبط في سياساتنا العمالية. هناك خلل كبير وجد منذ تأسيس جامعة الملك سعود قبل خمسين سنة، وهو تركيز المجتمع على الشهادة الجامعية، ورغم أننا أوجدنا المؤسسة العامة للتعليم الفني، إلا أنها لعقود من الزمن ضيعت أموالاً طائلة، وقد فشلت فشلاً ذريعاً في إقناع شبابنا أن يتجهوا إلى الوظيفة المهنية، والتي لا تتطلب شهادة جامعية، ونتيجة لذلك العجز في إيجاد سعوديين مهنيين، فُتح باب الإستقدام للوظائف المهنية على مصراعيه. شخصياً، وقد عملت في القطاع المالي، والقطاع الصناعي، فإنني أرحب بقرار رفع الرسوم على العمالة الأجنبية، لأنه لا يعدّل وضع السوق المشوه، إلا رفع الكلفة، والقطاعين المالي، والصناعي لن يتضررا كثيراً بسبب قدرتهما على جذب، وتحقيق نسبة سعودة كبيرة، ولكنني في ذات الوقت أتعاطف مع قطاعات لم تتمكن من رفع نسبة السعودة، وجزء من تلك المشكلة تقع على الحكومة، ومؤسساتها، وسأضرب مثالين: منذ سنوات طويلة لم تكن كليات الطب تقبل سوى مئات من السعوديين المتقدمين، بحجة كلفة المعامل والسرر... إلخ، ولذلك ضّيق على تعليم الطب، والتخصصات المساعدة له، وتوسعت الجامعات في التخصصات النظرية، لأنها أقل كلفة!! وذات الحال ينطبق على قطاع المقاولات، الذي لم نتمكن من إيجاد أي حوافز لجذب سعوديين له، بالرغم من المشاريع الحكومية الضخمة على مدى عقود من الزمن، وجزء من المشكلة، وليس كلها، الإصرار على أرخص الأسعار، وعدم السماح بأسعار خاصة للعمالة السعودية، في أي عقد مقاولات، أو تشغيل، أو صيانة. مرة أخرى أتمنى أن نعود إلى كل التوصيات العملية التي صدرت على مر السنين من مجلس القوى العاملة، والمهم أنها حزمة من الحلول تلقي المسؤولية على عدة أطراف، منها القطاع الخاص، والقطاع التعليمي، والتدريب الفني، والقطاع الأمني المسؤول عن الهجرة، والاستقدام، والتخلف، وتجارة التأشيرات... إلخ. أخيراً أود أن أختم بمعلومة مؤلمة من واقع صناعة البتروكيماويات في الجبيل، حيث إن تلك المشاريع قد أقيمت وفق أحدث التقنيات، واليوم تأتي مكاتب توظيف هندية، وتعلن في الصحف السعودية الناطقة بالإنجليزية، ويدعى الموظفون الهنود العاملون في مصانعنا لمقابلات في الجبيل، وتعرض عليهم مرتبات مغرية، لكي يعودوا إلى الهند، وعاد الكثير من تلك العمالة التي تدربت جيداً في منشآتنا الصناعية!! ألم أقل أن سوق العمالة لدينا مشوه!! [email protected]