حتى أحفادهم يظل الفلسطينيون ومن بعدهم العرب يحمِّلون بريطانيا ضياع بلادهم فلسطين وتسليمها إلى اليهود، وصنع دولة إسرائيل؛ فما فعله البريطانيون لا يمكن أن يُمحى من الذاكرة، وسيبقى تاريخاً يلاحق البريطانيين وكل من جاء بعدهم من الغرب والشرق؛ لتضييعهم حق الفلسطينيين وصُنع مأساتهم التي تواصلت على مدى ستة عقود ونصف العقد. هذا العار الذي يلاحق البريطانيين، الذين لم يفعلوا شيئاً حتى الآن للتكفير عن ذنبهم، ارتكب الأمريكيون ذنباً مثله، لا يقل بشاعة، إن لم يتجاوزه؛ فقد احتل الأمريكيون العراق، وخرجوا منه بعد أن سلَّموه إلى الإيرانيين وحلفائهم من الطائفيين الذين أوصلوا العراق إلى بلد يفتقد الأمان، وجعلوه مزرعة للفساد المالي والسياسي، وانتشرت فيه المليشيات والعصابات المسلحة التي تمارس الخطف والقتل لتحقيق مكاسب مالية، والعمل لصالح قوى إقليمية، تعمل على فرض أجندتها وتحقيق أطماعها. ما ارتكبته أمريكا في العراق يحمِّلها مسؤولية أدبية وأخلاقية وسياسية لانتشاله من الوضع الذي وصل إليه؛ فأمريكا هي من قاد الجيوش لاحتلال العراق من غير قرار أممي، ثم انسحبت بفعل المقاومة الوطنية، بعد أن تركت العراق مدمَّراً، وساعدت الأحزاب الطائفية على حكم العراق، رغم علمها بأن هذه الأحزاب تعمل وفق أجندات وتوجيهات إيران، ومع هذا ساندت أمريكا الحكومات الطائفية، ووضعت (دستوراً) صيغ ليلائم عملاء إيران، من خلال تقسيم المجتمع العراقي إلى مكونات عرقية وطائفية؛ لتعظيم دور طائفة معينة؛ ليتم صياغة دستور طائفي بعقول أمريكية صهيونية، قَدِمت من أجل وضع دستور يثبت تجاوزات لجرف العراقيين إلى صدام طائفي وعرقي، يؤسس لانقسام هدفه تجزئة العراق إلى دويلات عدة من خلال تمترس كل مكوَّن طائفي وعرقي في كيان خاص به. الدستور الذي وضعه الأمريكيون كان هدفه تدمير العراق وتقسيمه من خلال تثبيت الانقسامات الطائفية وتضخيم دور مكوَّن معين، الذي تمادى أعضاؤه في انتهاك حقوق الإنسان واستباحوا الأعراض ونهبوا الأموال وتسلطوا على القضاء الذي أصبح أداة في يد من تسلموا إدارة البلاد عبر حكم طائفي تسلطي. كل هذا دفع من أخرجوا الأمريكيين بمقاومتهم الصلبة في العراق إلى أن يباشروا ثورتهم الثانية. وإذا كانت ثورة المقاومة الوطنية الأولى قد نجحت في إخراج الأمريكيين من العراق فإن الثورة الثانية للمقاومة الوطنية التي دخلت شهرها الثالث ستعمل على إنهاء حكم الطائفية، وإبعاد الإيرانيين عن الحلول محل الأمريكيين. [email protected]