ثمة تساؤل دار في وسائل الإعلام المصرية والعربية والدولية، لماذا رفض الشعب المصري المعروف بكرم الضيافة زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لبلدهم، وهاجمه أينما حل أو ارتحل. وقد تناقلت وسائل الإعلام ماذا حدث للضيف في مشيخة الأزهر، حيث لم يتوقف عند رفع مواطنين بسطاء الأحذية في وجه الزائر، بل تعدى ذلك لوصلة من التقريع وصلت لدرجة التوبيخ من شيخ الأزهر، وهو رجل عالم جليل معروف بدماثة الخلق وطيب الكلمة، لكن هناك قضايا لا تحتمل اللين من القول، لذلك كان بيان الأزهر الذي ألقي بحضرة نجاد سهاماً حادة لا تعرف في الحق لومة لائم، فقد وضعه الشيخ الجليل أمام أفعال بلاده الممقوتة في سوريا والبحرين وجزر الإمارات والأهواز وغيرها. كما أن نجاد تعرض لاعتداء آخر داخل المشهد الحسيني بالقاهرة رغم أن المصريين معروفون بحبهم لمساجد آل البيت النبوي الشريف وتقديرهم لروادها، لكنهم يعرفون جيداً التفرقة بين حب آل البيت وبين المذهبية والطائفية، كما وصلت قمة الدراما عندما حاول شاب أن يعتدي على الرئيس الإيراني في بيت سفيره لدى القاهرة مجتبى أماني... حدث ذلك كله لنجاد ولم يحدث مع أي ضيف آخر أياً كانت ديانته أو دولته، والسؤال لماذا؟ البحث عن أجوبة لهذه الأسئلة الحيرى تتطلب قراءة لأفكار المصريين تجاه دولة إيران، فعلى المستوى الديني المصريون يعشقون آل البيت لكنهم يرفضون بكل شدة من يسب الصحابة والسيدة عائشة ويضطهد أهل السنة في بلده ويدفع أمولاً لقتل المسلمين تحت شعارات مذهبية يبغضها الإسلام. وكان شعار من تظاهروا رفضاً للزيارة «من يستحل إهانة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يهان»، بأنهم يكرهون مغالاة الشيعة وأفكارهم وتقيتهم وإن تدثروا بحب آل البيت، لذلك هبوا نصرة لدينهم ضد نجاد، خشية أن تفتح زيارته أبواباً للتمدد الشيعي وتنخرط البلاد في خلافات مذهبية بغيضة تسيء للإسلام، أما على المستوى السياسي فهناك عروبيون في مصر يحلمون ولا يزالون يقاتلون فكرياً من أجل الوحدة العربية في مواجهة القوميات الأخرى التي تريد بسط نفوذها على أرض العرب، ومهما كانت رايات أو سياسات هذه الدول فهم ضد الاحتلال الإيراني للجزر العربية الإماراتية، وضد احتلال الأحواز العربية، وضد أحلام التمدد الصفوي على حساب العرب، وهم يرفضون أيضاً التهديد الفارسي الخفي والمعلن لأمن الخليج، كما أن صورة إيران كدولة قمعية لا تتناسب مع المد الثوري بمصر، فكيف يرضى المصريون عن نظام الملالي في إيران وهم يرون أن هذا النظام يدعم المذهبية في العراق ويساند الديكتاتورية في سوريا ويداه ملطختان بدم العرب والمسلمين في كل مكان. كما أن هناك رواسب في ذهنية الكثيرين بمصر، فهم لم يقبلوا حتى الآن بفكرة احتفاء إيران بقاتل الرئيس المصري أنور السادات، صحيح أنهم تسامحوا مع القتلة من باب أنهم عادوا عن أخطائهم واعترفوا أن قتلهم للسادات كان خطأ كبيراً، لكن لم يغفروا بعد لمن خلد ذكرى القاتل ورفع صورته واسمه على أحد شوارع طهران. ربما تفاجأ نجاد برد فعل الشارع المصري، لكن القارئ لأفكار المصريين يعرف جيداً أن ما حدث كان رد فعل طبيعي وعفوي تجاه رجل يمثل نظاماً غير مرغوب فيه من قبل المصريين. صحيح أن للسياسة والدبلوماسية قراءات أخرى، لكن هذه لها أماكنها المغلقة في ردهات القصور وليست في الشوارع والمساجد، فما كان لنجاد أن يتوهم أنه سيقابل بحفاوة من المصريين في الشارع، وكان عليه وهو يقوم بأول زيارة من نوعها لرئيس إيراني لمصر أن يقيم تحركاته على حسابات دقيقة وليست على أوهام. فجر أمس غادر نجاد مطار القاهرة الدولي على متن طائرة خاصة متجهاً إلى إيران بعد زيارته لمصر التي استغرقت عدة أيام، وشارك خلالها في القمة الإسلامية، والتقى الرئيس محمد مرسي وعدداً من السياسيين في الزيارة الأولى لرئيس إيراني منذ 34 عاماً. وكان قد أكد نجاد في كلمته التي ألقاها في الحفل الذي حضره عدد من السياسيين ليلة الخميس، عن سعادته لزيارة مصر، قائلاً «فرصة عظيمة أن أكون في القاهرة، فمصر التي تصنع التاريخ» وأضاف نجاد، «أن السفر لمصر كان من أمنيات حياتي»، كما عبر عن «سعادته في مشاركته في حفل انتصار الثورة الإسلامية بين أخواته وإخوانه المصريين»، وأضاف «من يسمع مصر يتذكر الحضارة والإنسانية، مصر تعرف بالثقافة والحضارة ونفتخر بالصداقة مع مصر، والشعب الشقيق المصري والإيراني كانا منذ عهد بعيد أصدقاء وأحباء وإخوة، وكانوا في خدمة الإنسانية والعدالة والأخوة والأمن»، وأشار إلى أنه اليوم سنحت فرصة تاريخية، ونحن في منعطف تاريخي، والشعب المصري وإيران اليوم يقفان إلى جانب بعضهما، وأعداء البشرية يتحكمون بالعالم، ويقومون باحتلال أراضي الشعوب. لكن في الحفل نفسه ألقى السفير محمد رفاعة الطهطاوي، رئيس ديوان الرئيس المصري كلمة اتسمت بالسخونة، جاء فيها: «إن زيارة الرئيس الكبير أحمدي نجاد الى مصر تذكرنا بالدم الذي يراق في سوريا، ونرى أن الرئيس وإخوانه مطالبون بالعمل على سرعة وقف هذا النزيف والحفاظ على سوريا ووحدة أراضيها» وتابع: «نرى أنه إذا اجتمع المسلمون والعرب خصوصاً الدول الكبيرة بالمنطقة مثل مصر وإيران والسعودية وتركيا»، فإنها تستطيع أن تتوصل الى حل لهذه الأزمة، ثم عاد وأكد أن العلاقات المصرية مع إيران قديمة. ولفت السفير الطهطاوي الى أن مصر تريد تأسيس هذه العلاقات وفقاً لأسس وركائز متينة. في الحفل نفسه أيضاً تعرض الرئيس الإيراني لمحاولة اعتداء فاشلة بحديقة منزل رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانيهبالقاهرة، مجتبي أماني، من قبل أحد الشباب، إلا أن الأمن المصري والإيراني منعاه وتعاملا معه قبل أن يلحق الأذى بنجاد على مقربة نحو أقل من متر واحد. ما حدث لنجاد في مصر ربما يدفعه لإعادة حساباته ومواقف بلاده تجاه القضايا العربية والإسلامية إن كان يرغب بصدق في إقامة علاقات قوية مع الدول العربية وفي المقدمة منها مصر.