تتجه العلاقات المصرية الإيرانية إلى شيء من التحسن التدريجي الداعي إلى المزيد من التفاؤل بمستقبل هذه العلاقات .. كما قال وزير الخارجية الإيراني على أكبر صالحي .. في حديث لوكالة أنباء رويترز قبيل ساعات من وصول الرئيس الإيراني "محمود أحمدي نجاد" إلى القاهرة للمشاركة في القمة الاسلامية الثانية عشرة التي بدأت أمس.. وإن قدم لهذه المشاركة بزيارة رسمية معلنة للشقيقة مصر بدأها قبل يوم واحد من بدء المؤتمر.. وحاول خلالها أن يُعطي الانطباع للمراقبين بأن البلدين يتجهان إلى إقامة علاقات محورية.. تبدأ بالتصالح مع الشعب المصري الرافض لفكرة نشر التشيع فيه رفضا قاطعا.. وتنتهي بالإيحاء لدول المنطقة والإقليم بأن العلاقات الثنائية المقطوعة بين البلدين منذ ثورة الخميني في ايران عام (1979) ولجوء شاه إيران إلى القاهرة وإقامته فيها لبعض الوقت أثناء فترة حكم السادات إن هذه العلاقات.. على وشك العودة بين مصر وإيران بالرغم من معرفته المسبقة أن شيئا من ذلك لا يبدو وارداً – على الأقل في الوقت الراهن لاعتبارات سياسية.. وأمنية.. وثقافية.. واقتصادية معقدة للغاية.. وهو ما يعرفه «نجاد».. ويستشعر استحالة وقوعه.. وبالذات في ظل الظروف الأمنية التي تمر بها المنطقة الآن.. وتساهم إيران في تأجيجها بصورة كبيرة في كل من سوريا.. ولبنان.. والعراق.. والبحرين.. واليمن بفعل تدخلها المباشر في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ولعبها أدواراً مباشرة في استشراء الفوضى في أكثر من نقطة ملتهبة.. التشويش على العلاقات المصرية الخليجية •• لكن السؤال الأبرز هنا هو لماذا حرص الرئيس الإيراني «نجاد» على القيام بهذه الزيارة بالرغم من معرفته الأكيدة أن الوقت ليس مناسبا لتحقيق خطوة كبيرة في اتجاه إعادة العلاقات بين بلاده وجمهورية مصر العربية..؟ •• والإجابة المبدئية على السؤال هي: أن السياسة الخارجية الإيرانية قائمة – في الأساس – على مبدأ إثارة الفتن بين الدول وكذلك بين الشعوب وأنها لا تتردد لحظة في انتهاز أي فرصة أو بادرة لتعكير العلاقات العربية العربية.. وبصورة أكثر تحديدا.. العلاقات المصرية الخليجية.. لأنها تدرك أهمية هذه العلاقات من الناحية الاستراتيجية وتأثيرها في أمن واستقرار المنطقة.. وبالتالي فإن راسمي السياسة الإيرانية أرادوا استغلال حضور ومشاركة «نجاد» في القمة الإسلامية وترتيب زيارة مسبقة للبلد الشقيق وفتح قنوات جديدة مع المؤسسة الدينية الأبرز في مصر وفي العالم الإسلامي «الأزهر الشريف» لتحقيق هدفين اثنين هما: - أولا: إظهار حسن نية إيران تجاه السنة بالإقدام على مبادرة الرئيس بزيارة الأزهر والالتقاء بشيخ الأزهر وعلمائه.. للوصول من خلالهم إلى عقول المصريين نخباً وعامة. - ثانيا: تسهيل مهمة الحكومة المصرية في اتخاذ خطوة عملية في اتجاه إعادة العلاقات الثنائية بين البلدين.. بعد أن يكون الشارع المصري قد تقبل فكرة عودة هذه العلاقات بصورة أفضل من ذي قبل. ** لكن الرسالة الأبرز والأهم التي أراد نجاد – بزيارته هذه لمصر – وبالتحديد للأزهر الشريف قبيل القمة هي التشويش على العلاقات المصرية/ الخليجية لمعرفته بأن دول الخليج مجتمعة تتوجس من أي تقارب بين إيران وشقيقتهم الكبرى.. لتأكدها أن سياسات إيران القائمة على التدخل في شؤون دول المنطقة وفي مقدمتها دول الخليج لم ولن تتغير في يوم من الأيام.. ** وليست هذه التحسبات الخليجية وهمية وإنما هي قائمة على أساس وقائع وممارسات ملموسة تعرفها مصر أكثر من أي دولة أخرى من دول المنطقة كما تعرفها سائر دول العالم وهيئاته ومنظماته أيضا؟ ** وبالتالي فإن السؤال الذي ينشأ على الفور هو: إذا كانت مصر تدرك أهداف ونوايا إيران من وراء قيام الرئيس نجاد بزيارتها قبل حضور القمة.. فلماذا قبلت بها.. وأضفت عليها صفتين هما الصفة الرسمية في حال تبادل الزيارات بين الدول ذات العلاقات الكاملة وكذلك الصفة الشعبية.. تجسيداً لمستويات العلاقات الحميمية القائمة بين الدول الصديقة رفيعة التبادل والتعاون والتفاهم؟ ** والإجابة على هذا السؤال المتشعب تتمثل في الآتي: - أولا: إن مصر دولة مستضيفة للقمة الإسلامية الثانية عشرة.. والتي سوف تترأسها لمدة خمس سنوات قادمة كما هو حال نظام المنظمة.. وبالتالي فإن حضور كافة الدول الإسلامية مسألة طبيعية.. ولا علاقة لها بمسألة تطبيع العلاقات بين أي من تلك الدول وبين الدولة المضيفة للمؤتمر. - ثانيا: إن الرئيس «محمد مرسي» سبق أن زار طهران في شهر أغسطس الماضي للمشاركة في قمة عدم الانحياز.. وتعمد الإيرانيون من خلالها أن يضفوا على تلك الزيارة أهمية خاصة وحفاوة بالغة لكسب مودة مصر.. وكسر الحواجز النفسية والسياسية القائمة بين البلدين.. وكذلك لتوجيه رسالة إيرانية قوية إلى دول المنطقة وفي مقدمتها نحن في دول الخليج العربي بأن إيران بدأت اللعب بالورقة المصرية بقوة.. وأنها لن تفلت هذه الفرصة فقدمت الكثير من المغريات والوعود للأخوة المصريين بأن تقف معهم في مواجهة تبعات التغيير في بلادهم.. وتقديم الدعم الاقتصادي والمالي والتجاري والسياسي المفتوح لهم متى شاؤوا ذلك. ** فعل الإيرانيون ذلك بذكائهم المعهود وبسياساتهم القائمة على مبدأ «فرق تسد» استثمارا لظروف مصر الصعبة.. واستغلالا لرغبة الدولة المصرية أيضا في استرداد مكانتها في المنطقة والعالم.. وتعكيرا – في نفس الوقت – للعلاقات المصرية الخليجية. - وثالثا: لأن مصر نفسها تعيش مرحلة قراءة متأنية للواقع الداخلي والإقليمي وتوازن الأمور ولا تجد أن من الحكمة أن تتخذ مواقف «جافة» وقطعية من أي دولة – في هذه المرحلة بالذات - وأن عليها أن تستمع وتدرس بعمق جميع المعطيات وأن تترك جميع الأبواب مفتوحة لكافة الاحتمالات.. وفقا لحسابات بعيدة المدى.. بعضها يتعلق بالداخل المصري، وبعضها الآخر بالواقع الإقليمي الشامل والبعض الثالث يرتبط بالوضع العام في منطقة الخليج. ** لكل ذلك فإن مصر رحبت بالزيارة وأعطتها نفس الاهتمام الذي لقيه الرئيس المصري لدى زيارة إيران السالف ذكرها وفتحت قنوات التواصل بين الرئيس الإيراني وبين المؤسسة الدينية المصرية على مصراعيها.. وهي تعرف معرفة جيدة أن الأزهر الشريف لن يكون لقمة هنيئة.. أو باباً مفتوحاً يمكن لإيران أن تلج من خلاله إلى مصر بسهولة.. وذلك لتحقيق هدف استراتيجي وحيوي هام هو اطلاع الرئيس الإيراني على حقيقة الموقف الشعبي المناوئ لعودة العلاقات بين البلدين بسهولة وإعداد إيران لاستيعاب هذه الحقيقة والتعامل معها بكل ما تستحق. ** ليس هذا من باب المناورة من جانب مصر وإنما من دواعي الإحاطة بمدى الصعوبات الكبيرة والأثمان الغالية التي قد تدفعها في ظل التعجل باتخاذ خطوة كبيرة كهذه في وقت قريب. وعلى إيران أن تحسب حساباتها بدقة ولا تبالغ هي الأخرى في استعجال تجاوز الحواجز أو القفز إلى المجهول. ** والدليل على أن مصر تقف حتى الآن في منطقة مناسبة تتأمل وتزن وتفكر بعيدا بعيدا.. وتحسب حساباتها بدقة متناهية هي أنها وقبل أن تستقبل نجاد بساعات فقط أكدت على مواقفها السابقة المعلنة على لسان وزير خارجيتها «محمد كامل عمرو» «بأن أمن دول الخليج هو أمن مصر.. وأن مصر تعتبر أمن دول الخليج خطاً أحمر وأنها لن تسمح بالمساس به أبداً». ** قال هذا الوزير المصري يوم الثلاثاء الماضي عقب اجتماع لجنة فلسطين على هامش اجتماعات وزراء خارجية الدول الإسلامية وبعد أيام فقط من زيارته لدول الخليج وتقديمه الدعوة لقادتها لحضور القمة الإسلامية واستماعه للكثير من الإشارات والتلميحات عن الجهود الإيرانية الانتحارية لتعكير أجواء العلاقات الاستراتيجية والحيوية بين دولنا والدولة المصرية.. في ضوء المعلومات المتوفرة عن النوايا الإيرانية الحقيقية من التودد الإيراني المبالغ فيه إلى مصر في الفترة الأخيرة وما تباشره من تسريبات إعلامية متعمدة عن قرب عودة العلاقات الإيرانية المصرية.. أو من تصريحات رسمية يبعث بها الدبلوماسيون الإيرانيون إلينا بين حين وآخر.. والتي كان آخرها حديث وزير الخارجية الإيراني «علي أكبر صالحي» والذي قال فيه: «إنه متفائل إزاء إمكانية استمرار تعزيز العلاقات بين بلاده ومصر وأنه لمس أن هناك تحسنا تدريجيا وأن على إيران أن تتحلى بقدر من الصبر لتوسيع نطاق هذه العلاقات خصوصا في التجارة والاقتصاد». ** لكل ذلك نقول: إنه لم يكن بإمكان مصر أن تمنع زيارة نجاد لها.. من الناحيتين الدبلوماسية والعرفية حتى وإن بدا أنها قد أضفت على هذه الزيارة أهمية خاصة لأسباب تخصها وترجع إلى حساباتها الخاصة بها. حسابات إيران بعد زيارة الأزهر ** لكن السؤال الآن هو .. ماذا بعد أن سمع الرئيس الإيراني «أحمدي نجاد» من شيخ الأزهر الدكتور «أحمد الطيب» ما لم يكن يتوقعه أو ينتظر سماعه بمثل هذا الوضوح والتصميم؟ ** وكيف ستفكر إيران بعد اليوم؟! ** وأي ثمن يجب أن تدفعه لكي تضع الورقة المصرية الهامة في جيبها؟ ** وهل تستطيع – بالفعل – أن تعيد العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع مصر ومتى؟! ** بكل تأكيد فإن تأكيدات شيخ الأزهر على رفض: (1) التعرض لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته السيدة عائشة أم المؤمنين ومطالبته بإصدار إيران فتوى صريحة بتحريم ذلك. (2) نشر التشيع في مصر والدول الإسلامية الأخرى. (3) التدخل في شؤون البحرين (الدولة العربية الخليجية). (4) التدخل في الشؤون العربية الداخلية. (5) الدعم الإيراني المفتوح للنظام السوري الجائر. (6) الانتقاص لحقوق السنة في «الأحواز» الإيرانية. ** وبكل تأكيد أيضاً فإن لغة الخطاب القوية هذه والمباشرة ومن مقر الأزهر الشريف لم ترد في حسابات «نجاد» أو المخططين للزيارة.. أو عند اتخاذ قرار زيارة مشيخة الأزهر وما يتبعها من الصلاة في مسجد الحسين لاعتقادهم بأن الأوضاع المصرية الراهنة سواء من الناحية الاقتصادية أو الأمنية أو من حيث العلاقة بين النظام وجزء من الشارع المصري تحول دون وقوع ما وقع.. بل على العكس من ذلك فإن الإيرانيين كانوا يتوقعون أن مصر الآن ضعيفة.. وأن الخطوة الإيرانية سوف تقابل بالترحيب وأن الأزهر الشريف على وجه التحديد يبحث لنفسه عن موقع متقدم من خارطة السلطة في مصر وأن السلطة نفسها – من وجهة نظرهم – تبدو مهيأة لعبور أي عقبات تحول دون الإسراع في إعادة العلاقات بل ونمذجتها أيضا تحت أي ثمن تطلبه مصر ولن تتردد إيران في دفعه مهما كان عاليا. ** ومن هنا تثبت السياسة الخارجية الإيرانية مجددا أنها تخطئ فهم الشعوب ولا تجيد التعامل مع طبيعة المرحلة ولا تحسن اختيار التوقيت المناسب لخطواتها لسبب واحد، هو أنها تعتقد أن بإمكانها شراء الآخرين دولا ومؤسسات وأفراداً بالمال وبتوزع الأدوار وتقاسم المصالح. وفي ضوء هذه الحقيقة.. حقيقة عدم فهمهم لنفسيات الشعوب وتفهمهم لطبيعة نفورها المتزايد من التدخلات الإيرانية في شؤون الدول والشعوب الأخرى وبالتحديد نفسية الشعب المصري.. وثقافته.. وتمسكه بعروبته.. فإن زيارة نجاد هذه تكون قد سجلت فشلا ذريعا في فتح الأبواب المصرية المغلقة أمامها حتى الآن.. لأربعة أسباب هي: - أولا: أن مصر لا تبيع وتشتري بمبادئها ولا سيما في ظل سياسة نظام جديد وطيد الصلة بثوابته العقدية الراسخة وسعيه إلى تأكيد قدرته السياسية على تحمل أعباء المرحلة والعبور بمصر إلى بر الأمان.. وعدم استعداده للدخول في حسابات خاسرة مع أطراف غير مضمونة. - ثانيا: أن الشعب المصري ليس مستعدا للتفريط في منجزاته ومكاسبه الجديدة.. كما أنه ليس مستعداً للسماح لبلاده بالدخول في تحالفات إقليمية أو دولية – غير مأمونة – وهو الذي يعمل على استرداد بلاده لدور مركزي مستحق.. في وقت يجد فيه إيران مستميتة في سبيل تسيد المنطقة والبروز كقوة مركزية أساسية تفرض شروطها عند التعامل مع القوى والتكتلات السياسية في العالم وتفاوض باسم الجميع.. فضلا عن مخاطر الثقة بإيران التي تقوم سياساتها – في الأصل – على الاختراقات المكشوفة للداخل وتجزئة الشعب الواحد على أسس مذهبية أو طائفية تؤدي في النهاية إلى زعزعة الاستقرار وإضعاف الولاء والانتماء الشعبي العام للأوطان وجعل طهران وقم قبلتهم الأولى في النهاية. - ثالثا: أن تورط إيران في سوريا بمؤازرتها للنظام وقتل الشعب السوري وضمان استمرار الأسد في السلطة حتى الآن بالتعاون مع النظام الروسي قد كشف حقيقة الدعاوى الإيرانية بأنها تقف مع «الشعوب المظلومة» وأنها تتبني سياسة المقاومة لأعداء الحرية والاستقلال وأنها تترافع باسم الشعب الفلسطيني وتتبني قضيته. بدليل استمرار دعمها المفتوح لنظام الأسد بالمال والسلاح والمجندين والمعلومات وممارسة التصفية والاغتيال لقادة المعارضة السورية وشبابها. ** يحدث هذا لأن إيران تدرك أن سقوط الأسد وانتصار إرادة الشعب السوري ستكون بمثابة سقوط مريع لسياساتها ورهاناتها ليس في أو على سوريا فحسب ولكن في المنطقة العربية بمجملها. - رابعا: أن الشعوب العربية مجتمعة وفي مقدمتها شعوب دول الخليج العربي تقف الآن بإخلاص مع مصر حكومة وشعبا وتحاول أن تدعم كل عوامل الأمن والسلام والاستقرار فيها بشتى الوسائل.. ليس لأنها تريد بذلك منع عودة إيران إليها وإنما لأنها تؤمن بأن مصر بالنسبة لها هي أساس الاستقرار ومصدر السلامة وأن أي تعريض بها أو إضعاف لها أو تعدٍ على حقوقها السيادية أو على دورها المركزي إقليميا سوف يطال الجميع ويؤثر في الاستقرار الشامل بالمنطقة بأسرها. ** ولذلك فإن مصر الدولة ومصر الشعب ومصر التكتلات السياسية والنخب الثقافية لا تبدو مستعدة بأي حال من الأحوال للاستجابة للعروض الإيرانية «المغرية» أو لإدخال مصر طرفا في ألعاب أكروباتية مع أشقائها العرب بأي حال من الأحوال وإن أبدت بعض الترحيب بنجاد وبزيارة نجاد من موقعها كدولة مستضيفة لقمة إسلامية هامة.. تقلدت مركز الرئاسة فيها منذ الأمس وسوف تحاول أن تتصرف مع الجميع خلال مدة رئاستها بموازين دقيقة.. لا مجال فيها للمساومة على عروبتها بأي حال من الأحوال. مراجعة الحسابات الإيرانية إقليميا ** على أن الأهم من كل هذا الآن هو.. ولا سيما بعد أن تلقى الشعب المصري دعوة «نجاد» الضعيفة إلى «التوحد» ووعوده بتدارس ما طرحه عليه شيخ الأزهر من أفكار.. بعد أن تلقاها ببرود شديد من قبل بعض فئاته ونفور كبير لدى معظمهم.. الأهم الآن هو: - أولا: أن تقوم النخب المصرية المطالبة بعودة العلاقات مع إيران باعتبارها إحدى دول الإقليم التي لا يمكن تجاهل وجودها من جهة وباعتبار أن الدول العربية وفي مقدمتها دول الخليج العربية تقيم معها مثل هذه العلاقات السياسية بالرغم من خلافاتها الجوهرية معها. ** هذه المبررات وغيرها تبدو للمراقب غير المدقق في السياسات والممارسات الإيرانية منطقية ومقبولة لكن الواقع على الأرض يؤكد على الحقائق التالية: (1) أن العلاقات الخليجية الإيرانية علاقات شكلية ومجمدة.. بل وغير موجودة.. لا في جانبها الدبلوماسي ولا في واقعها الاقتصادي ولا في طبيعتها الأمنية المتعكرة. (2) أن سياسة إيجاد البؤر وزعزعة ولاءات الشعوب من قبل إيران تجاه أوطانهم تقدم الدليل تلو الدليل لأي دولة لا تقيم علاقات كاملة مع إيران على أنها طرف غير موثوق به، وبالتالي فإن عليها أن لا تفتح لها الطريق إلى إقامة بُنى سياسية وأمنية ودينية مرتبطة بولاية الفقيه في طهران أكثر مما هو قائم وموجود. (3) أن على هذه الفئات أن تسأل نفسها سؤالا واحداً هو: لماذا تبدي إيران كل هذا الاهتمام بعودة علاقاتها معكم.. أهو محبة في الشعب المصري المكافح.. أم استعداد منها للتخلي عن فكرة قيادة المنطقة لبلدهم؟ أم لأنها تريد أن توقف سقوطها المرتبط بسقوط النظام السوري وخروجها من المنطقة إلى الأبد في ظل توحد الموقف العربي والدولي المتماسك ضد سياسات التدخل في الشؤون الداخلية للدول التي تقوم عليها استراتيجية إيران بصورة أساسية ومركزية؟! - ثانيا: إن الورقة المصرية الهامة بالنسبة لإيران تهدف في حالة الفوز بها.. إلى إدخال مصر في مواجهة مع دول العالم المتقدمة الأخرى الرافضة لسياسات إيران للتسلح النووي واستخداماته في الأغراض غير السلمية.. فهل مصر مستعدة لكي تصبح طرفا مباشراً في هذه المواجهة الخاسرة بكل تأكيد.. حتى وإن لعبت إيران على وتر «التوازن النووي مع اسرائيل» وهو وتر حساس لدينا كعرب.. لكن واقع تجاربنا مع إيران يقول إن كلا الاثنتين تشتركان في طموحاتهما التوسعية.. وأن كلا من إسرائيل أو إيران لا تخفيان تطلعاتهما تلك.. بل إنهما تتباهيان بالتهديد لدول الجوار بإغلاق المضايق والبحار وتهديد الأمن والاستقرار في العالم وشل الاقتصاد وضرب مصادر الطاقة في المنطقة لوضع المجتمع الدولي أمام وضع خطير لا يمكن التهاون تجاهه الآن وقبل فوات الأوان. - ثالثا: أن الحديث عن العلاقات الطبيعية بين الدول كمبدأ أممي مسألة غير مختلف عليها.. بل ومطلب هام وضروري لكنه لا بد وأن يقوم على أسس ومصالح واعتبارات بعيدة عن «التنظير» ولا سيما في ظل وجود رصيد متراكم من المشاكل والأزمات والإرث التاريخي والاختلاف الفكري العميق في الثوابت وليس الفروع وهذا هو حال «إيران» مع كل أسف.. مهما حاول الآخرون ثنيها عن المضي في هذه السياسات وإقامة جسور من المصالح المشتركة معها بعيدا عن «الآيدلوجيا» ولوثة التسلط والهيمنة ووهم جاهزيتها لقيادة المنطقة. ** أما بالنسبة لإيران نفسها.. ** فإن زيارة نجاد القصيرة لمصر العربية قبل القمة وما رافقتها من تداعيات.. ** ومشاركتها في القمة الإسلامية أيضا ودون تقديم أي تنازلات سواء بالنسبة للوضع السوري.. أو للتدخل في منطقة الخليج أو للتصعيد المتعمد في العراق ولبنان هذه الأيام أو للمضي في سياسة التهديد والوعيد لدول الجوار. ** إن كلا من الزيارة أو المشاركة في القمة أو في الاجتماعات الثنائية والجانبية على هامشها.. ** كل هذه وتلك تفرض على إيران قبل غيرها أن تعيد النظر – بصورة جذرية – في سياساتها ومواقفها وأن تقتنع بأن في مثل هذه المراجعة الموضوعية مصلحة حقيقية لها قبل أن تكون لأي دولة أخرى.. بما في ذلك مصر التي تحاول خطب ودها دون أن تغير في منهجيتها السياسية والأمنية في المنطقة.. وكذلك دول الخليج التي لا تحمل لإيران إلا كل احترام.. لولا تدخلها المباشر في شؤونها ولجوؤها إلى سياسة بذر بذور الفتنة في أوطانها وفي غيرها.. وتعريض أمنها وسلامتها للخطر في كل لحظة وإصرارها على استمرار احتلال أراضي دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة. ** وإذا أرادت إيران أن تصحح كل هذه الأوضاع.. وتعيد ترميم علاقاتها مع الجميع وتهيئة أرضية ملائمة لعودة علاقاتها المقطوعة مع مصر العربية باعتبارها الدولة الشقيقة الكبرى فإن القمة الإسلامية التي بدأت أمس وتنتهي اليوم ربما تكون فرصة تاريخية لبناء منظومة إسلامية قوية وعلى أسس صحيحة وليست على تلك الأسس التي أراد معمر القذافي تمريرها من خلالها قمة سرت عام (2010) وكان يومها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الذي لم يكن أقل حماسا من القذافي لتمريرها.. وربط مصر والدول الإسلامية مجتمعة بالقرار الإيراني في النهاية. ** القمة إذاً فرصة سانحة لمعالجة ما أفسدته الممارسات الإيرانية المريبة حتى الآن.. والإثبات بأن إيران باتت مستعدة للتخلي عن تلك السياسات الجائرة وطي صفحة الماضي وذلك عبر مسارين: ** المسار الأول هو: عدم زج إيران بمصر في أتون حروبها الداخلية والخارجية.. واستخدامها للتوسط مع بعض دول المنطقة بهدف تجميد الخلافات الراهنة معها لأن مصر أكبر من الاستدراج الإيراني أو الإغراء بإعطائها دورا في إصلاح تاريخ مليء بالأخطاء والممارسات الإيرانية ضد الجميع بمن فيهم مصر العربية نفسها. ** والمسار الثاني: أن يعلن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد على العالم كله ومن خلال وثيقة القمة التي ستعلن هذا اليوم أن بلاده ترفع يدها عن النظام السوري وأنها تدين كل شكل من أشكال التدخلات الخارجية في شؤون دول المنطقة الداخلية وأنها مستعدة لتصحيح وإقامة علاقات حسن جوار نظيفة مع كل الجيران، وأنها سوف تتوقف عن التهديدات لأمن المنطقة ومصادرها الطبيعية المؤثرة في اقتصادات دول العالم وشعوبه. ** إذا هو فعل هذا.. فإن الجميع سيذهب إلى طهران ويقيم معها أوثق العلاقات وأمتنها شريطة أن يقترن هذا الإعلان بخطوات عملية لتنفيذ ما التزمت به.. وتكون الأممالمتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية هي الضامن لتنفيذ سلسلة الخطوات والإجراءات التي تؤكد هذا التغيير الجوهري في سياساتها وممارساتها. موقف الأزهر.. وموقف الحكومة ** لكن هذه التمنيات لا يبدو أنها ممكنة أو متوقعة لأن الفرصة التي أتاحتها القمة الاستثنائية المنعقدة بمكة المكرمة العام الماضي وحضرها الرئيس نجاد شخصيا لم تشهد أي استعداد لدى إيران للتزحزح عن مواقفها وسياساتها.. كما أن اعتراض شيخ الأزهر على مقولة نجاد بأن الخلاف بين إيران وسواها يرجع لأسباب تاريخية وتأكيده على أنه خلاف أساس حول الثوابت قد حدد مدى عمق الفجوة بين الجانبين، إضافة إلى عدم ظهور أي بوادر لإظهار حسن النوايا تجاه دول المنطقة خلال جلسات القمة ولقاءاتها.. كل هذه العوامل تجعلنا أقل تفاؤلا بحدوث تقدم حقيقي على أي مستوى من المستويات السابق ذكرها وفي مقدمتها الاستعداد الفوري لإيقاف مشاركتها في ذبح الشعب السوري وتخليها عن الرئيس بشار الأسد خاصة مع ظهور مؤشرات قوية إلى تخلي كل من روسيا والصين عنه قريبا. *** ** شيء أخير لا أريد أن أتركه هو: اعتراض الرئيس الإيراني على بيان شيخ الأزهر والذي ألقاه مستشاره الشيخ «حسن الشافعي» أثناء المؤتمر الصحفي المشترك معه.. عندما قال إن الأزهر لا يقبل تشييع مصر أو الدول الإسلامية الأخرى.. كما لا يقبل سب أصحاب رسول الله وأم المؤمنين عائشة.. ولا يقبل أيضا تدخل إيران في البحرين العربية أو في الشؤون الداخلية للدول الإسلامية.. أو في انتقاصها لحقوق السنة في الأحواز، عندها قال «نجاد» باللغة العربية للشيخ الشافعي: «نحن لم نتفق على هذا.. بل اتفقنا على الوحدة» لكن مستشار الأزهر مضى في إلقاء البيان وطرح كل ما طلب منه طرحه..». ** هذا الاختلاف في الرأي لم يظهر إيران في موقف ضعيف فحسب.. وإنما أكد على أن مشيخة الأزهر تؤدي رسالتها دون النظر إلى الاعتبارات السياسية التي يتحدث عنها المراقبون.. أو دون الخلط بين موقف الازهر وموقف الدولة المصرية الذي قد يتفق وقد لا يتفق مع لغة الخطاب الأزهري. ** لكن الموقف بكل جوانبه أظهر مدى عمق الفجوة بين البلدين.. بصرف النظر عما قد يترتب عليه بعد ذلك.