ما الذي بين «الاخوان» وإيران؟..سؤال يشغل الشارع المصري، الحائر بشدة، والمتأرجح بين أزماته ومشاكله واستقطاباته السياسية، خاصة بعد الاستقبال «الحار» الذي لقيه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، على هامش مشاركته في القمة الإسلامية الثانية عشرة، التي اختتمت الخميس بالقاهرة. أصابع وإشارات، وصلت لدرجة الاتهام، قالت إن مصر/ مرسي والاخوان، قفزت على أشياء كثيرة، منها ما هو استراتيجي، أو سياسي، أو ذو بعد عربي، وفتحت صدرها لإيران، متخلية بذلك عن «لاءات» عديدة، خاصة في ظل حكمي الرئيسين، الراحل أنور السادات، والسابق حسني مبارك. والأخطر، أن هناك من يرى رغم اعتقاده بأهمية إيران إقليمياً أن هذا الاستقبال الحافل لنجاد في القاهرة، رسالة لها مغزاها، لبعض دول الخليج، وخاصة الإمارات العربية المتحدة، التي اصطدمت كثيراً بجماعة الاخوان المسلمين، وردت عليها سياسياً، بحضور باهت في حده الأدنى بالقمة الإسلامية. حدث ما حدث، وغادر نجاد مصر، بعد أن تعرض لمحاولتي اعتداء، وألغيت زيارة كانت مقررة له، لميدان التحرير، بعد التأكد من غضب شعبي من تواجده في قلعة الثورة كما يرى غاضبون، اعتبروا مجرد تواجده قفزاً آخر لإيران على المشهد المصري، فيما يرى محللون وأكاديميون، ان الحفاوة برجل مثل نجاد، إهانة لمصر، واستفزاز لدول الخليج الصديق التقليدي للدولة المصرية، كما أنه وعلى لسان قوى ثورية تكريم غير مستحق ل»قاتل يشارك مع بشار الأسد في جرائمه ضد الشعب السوري». إن الجيش لم ينس أبداً وربما لا يغفر أن إيران احتفت بقاتل القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية السادات وتمجده.. حيث لا يزال قادة رئيسيون بالجيش، يعتبرون أن هذه أولى خطوات استعادة الثقة، لو صدقت إيران، كما أن كثيرين منهم، ينظرون بعين الريبة إلى مشاريع إيران التوسعية في العالم العربي، ويعتبرون أن الأمن المصري مرتبط تقليدياً بدول الخليج العربي وأمنها واستقرارها. لطمة الأزهر البعض اعتبر أن الأزهر، وجه لطمة حادة للرئيس الإيراني، تعاكس حجم الحرارة الرئاسية، حيث ان شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، خلال استقباله للرئيس نجاد، أعاد تأكيد المؤسسة الدينية المصرية، على عدة اعتبارات مهمة تمثل مجموع رأي أهل السنة، في ممارسات نظام طهران، سواء مع محيطه الإقليمي في منطقة الخليج، حيث أدان التدخل الإيراني في شؤون الدول الخليجية، وحدد البحرين بالذات، أو سواء من الناحية العقائدية، حيث هاجم الطيب، سلوكيات إيران ومحاولتها نشر «التشيع» في مصر، أو في البلدان ذات الأغلبية السنية، واعتبر كل ذلك «خطاً أحمر»، إضافة للطلب من القيادات الروحية في إيران وقف فتاوى سب الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وأم المؤمنين السيدة عائشة، وإعلان صريح بذلك. هوة الخلاف، أو التعبير عن الغضب «الأزهري» جعلت مؤتمر نجاد، يقتصر على كبير مستشاري الأزهر، الدكتور حسن الشافعي، الذي «أحرج» الرئيس الإيراني، بحيث تحول ما كان يُقال داخل الغرف المغلقة، إلى العلن، وهو ما حاول أن يتجاوزه نجاد، بعبارات إنشائية لم تخفف من التوتر. اعتداء ورفض لم يكن هذا ما عكر صفو الزيارة فقط، ولكن، واجه الرئيس الإيراني رفضاً كبيراً من الشارع المصري، المحتقن أساساً ضد جماعة الاخوان، وبات ينظر بعين الشك، إلى كل من يحاول التحالف معها، بعد أن ربط بين الجماعة والولايات المتحدةالأمريكية بشكل أو بآخر. بدا واضحاً أن الرفض الشعبي، بدأ مبكراً، بعد أن تواترت أنباء عن عزم الرئيس الإيراني زيارة ميدان التحرير، في محاولة للعب على شعبية الشارع، لكن الإشارات من المرابطين في الميدان وغالبية القوى الثورية، أرسلت تحذيراً مبكراً للسلطات، بالرفض التام، تغير الأمر في اللحظات الأخيرة، فتعذر التنفيذ. نجاد، لم ييأس، وقام بزيارة لمسجد الحسين بوسط القاهرة، حيث يعتبره الشيعة من الأماكن المقدسة، ورغم الحراسة المشددة، سواء عن طريق قوات خاصة، أو حرس بلباس مدني، إلا أن أحد المعترضين، حاول الاعتداء على الرئيس الإيراني، بقذفه بالحذاء، لكن الحرس المرافق تمكن من إحباط المحاولة بحيث لم يصل الحذاء لوجه الرئيس. موقف الجيش خبراء كثيرون، قالوا إن إيران المستفيد الأكبر من هذه الحفاوة، باعتبار أنها تخرج من عزلتها عربياً لأول مرة. وأين؟ في القاهرة هذه المرة.. ورغم أن نجاد أبدى استعداده لإعادة العلاقات مع مصر، التي «لا تمانع» الآن، إلا أن الشكوك كثيرة في مثل ذلك.. دون النظر إلى العوائق «الاستراتيجية» التي تحول دون إتمام المشروع. مصدر سيادي رفيع، ذكر أن الجيش المصري، لا يمكن أن يوافق على استعادة العلاقات مع إيران، دون إتمام ما سماها «الشروط» وأهمها حذف صورة قاتل السادات، خالد الإسلامبولي، وإلغاء اسمه من على أحد شوارع طهران، والذي كان من المريب أنه نفس الشارع الذي كان فيه مقر البعثة الدبلوماسية المصرية سابقاً. المصدر قال، إن الجيش لم ينس أبداً وربما لا يغفر أن إيران احتفت بقاتل القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية السادات وتمجده.. حيث لا يزال قادة رئيسيون بالجيش، يعتبرون أن هذه أولى خطوات استعادة الثقة، لو صدقت إيران، كما أن كثيرين منهم، ينظرون بعين الريبة إلى مشاريع إيران التوسعية في العالم العربي، ويعتبرون أن الأمن المصري مرتبط تقليدياً بدول الخليج العربي وأمنها واستقرارها. شراكة في الجرائم كما أن هناك سياسيين أيضاً لا يغفلون الدور الإيراني وامتداداته، التي تنافس تقليدياً الدور المصري، بل أنهم يذهبون لما هو أكثر، معتبرين أن إيران تحاول تقليص وتقزيم مصر بأي شكل من الأشكال، لأنها ترى في مصر البعد الاستراتيجي لدول الخليج. والأهم أيضاً، أن إفساح المجال لإيران في مصر، يعني تغطية على دورها المخزي في قمع الثورة السورية، وأن دعمها لنظام بشار الأسد، بالمال والسلاح، والرجال، ما هو إلا مشاركة منها في استمرار ما يرتكبه نظام الأسد من جرائم بحق شعبه. ويلفت بعضهم ، إلى أن محاولات تسويق الثورة على الطريقة الإيرانية، تصطدم عملياً بقمع الثورة في سورياً، معتبرين ذلك ازدواجية غير أخلاقية، تعتمدها طهران، مثلما تلعب مع حزب الله، في تقويض أسس الدولة اللبنانية. رهان فاشل الدكتور أحمد أبو العزم، الخبير بالشؤون الإيرانية بجامعة المنوفية، والدكتور أحمد عبد ربه، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، يشيران إلى نقطة مهمة، وهي : على ماذا يستند الاخوان والرئاسة المصرية في محاولة مغازلة إيران؟ الإجابة من وجهة نظرهما أنها محاولة فاشلة، المستفيد الأول منها إيران أولاً.. ذلك أنها فرصة للخروج من عزلتها الإقليمية والدولية، وأنه إذا كانت مصر/ مرسي، تحاول الاعتماد اقتصادياً على إيران، فإن طهران نفسها في ظروف سيئة اقتصادياً لا تختلف كثيراً عن مصر، وبالتالي فإن الرهان فاشل.. لأن طهران نفسها في أزمة. وبنفس النظرة، يرى اقتصاديون ان قرار الرئيس الإيراني، بإلغاء التأشيرة للمصريين الراغبين في زيارة طهران، تحصيل حاصل، نظراً حتى لضعف فرص العمل هناك، كما أن إيران ليست بؤرة جذب للعمالة المصرية. روافض .. ونواصب الشارع المصري، بات يقارن مرسي بنجاد، كلاهما جاء للحكم عن طريق مؤسسة دينية، لها تنظيمها وأطرها التقليدية الصارمة، ولكل مؤسسة منهما «مرشد» عام أو أعلى، هو في نظر المؤسسة وأتباعها، أعلى من منصب رئيس الجمهورية، بل إنه إذا كان صحيحاً في طهران أن نجاد لا يخطو خطوة دون المرشد الأعلى، الذي شوهد كثيراً ونجاد يقبل يده، فإن الاتهامات تلاحق مرسي من قبل خصومه، بأنه تابع لمرشد الجماعة ومجلس شوراها، الأمر الذي لم يستطع حتى الآن نفيه أو إثبات عكسه.