القراءة السريعة لواقع الشارع العربي على صعد عديدة تبدأ بالسياسي، وتنتهي بالرأي العام، والفردي لا تنبئ بحكمة الحصيف، ولا بعقل المدرك، ولا بإدراك العاقل.. وأول الحكمة ضبط النفس، وضبط النفس هو تمرير واعٍ لاختلافات الرأي.. والرأي لا يأخذ جدِّيته، وسلامته، ومناسبته للعيش الهادي، والمسالم إلاّ حين يحتكم لشرع، ولقانون.. والتفريط فيهما إيذان بهذه الفوضى العارمة العامة التي لحقت بعديد من مجتمعات العرب، تفشّت في عدم انضباط الفرد، والجماعة، من خلف عصا تتحرك في ضوء التكتلات الحزبية المتناهضة، والتوجُّهات الفكرية المتضاربة، والقناعات السياسية المختلفة، بل المطامع الشخصية الحامية، وما يحرك مواقدها، ويلهب الشارع العربي، ويدمر البنى الأرضية، ويزهق الأرواح البشرية، بل يمزّق العلاقات داخل المجتمع الواحد.. يبدو أنّ انفلاتة الثورات لم تؤت ثمارها بربيع نسائمي هادئ، وإنما حطت بغربانها شتات البين، وفرقة اللحمة، وشرور النفوس.. وإلاّ فما الذي يحدث الآن في مصر تحديداً..؟ كيف يحارب الفرد نفسه، ويدمّر زهرته، ويقضي على نبته في مهدها، فيما يهزّ عرش مجده بريح شره..؟ مصر الآمنة..، مصر الملايين التي لها تاريخها، قرية الشمس، ومدنها،..؟ مصر تنام في الشارع منذ ثورة يناير.. كأنه الاستمراء على الوعي، والاستمراء على العقل، بل هما معاً.. حيث كل متحدث أو ثائر، أو صارخ، أو رافض، يحسب فيما يقول منتهى الوعي، ومنتهى العقل.. والعالم يتحرّق من فرقتهم..! لا يزال الدار ميدان التحرير..، وخارج الدور..، ولا تزال الحناجر تزأر، والصدور تزفر، والأصوات تجأر، ولا اتفاق على اتفاق..، ولا تآلف واتساق.. ناهيك عن كل انفلاتة..، إذ ما أتيح للنافرين درب إلاّ سلكوه حثيثاً نحو دمار أنفسهم..، والآخرين.. فأين حكمة العربي، وحصافته، وألمحيّته، وقدرته على الحلم، وضبط النفس، وكبح الجماح..؟ أي عقل، أي خلق، أي إيمان، أي مبادئ، أي قيم، أي شعارات تجعل في مصر، وبعض المجتمعات العربية، والأفراد فيها كأنهم نار، ووقود دمار..؟ لا يتسق مع مبادئ ثوراتهم، ولا مع طموحات معاشهم، ولا مع شعارات غاياتهم.. واقع مؤلم.. للغاية لا يطمئن على الأقل فيما يستشرف من مشهده الراهن.. كما يُرى.. يبدو أنّ الطامحين لمقاعد القيادة، يوظفون غثاء السيل في المدارك العامة، لمثل هذه الاضطرابات غير المسؤولة.. فإذ هم لم يكونوا على كلمة سواء، فإنّ القادم لا ينبئ بخير.. ستكون المعاناة كبيرة والخسائر فادحة.. فكم من الخيبات أصيبت بها طموحات ثورتهم التي نشدت فيهم النهضة، والعدالة، والديمقراطية، من ذوي الشعارات لا الأفعال، تذهب المدن، والمقدرات، واستقرار الناس ضحيتهم..؟ اللهم اجمع كلمتهم، ووحِّد صفّهم، وانصرهم على أنفسهم.. وكن لهم عوناً ومخلصاً.. آمين عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855