الحرص المحموم على مقاعد الحكم، وسُلطته، مع التفريط في أمانة الرعاية والقيادة، يصنع هؤلاء الفراعنة، ويخرجهم من ملابس الحرير الساترة لعوراتهم النفسية وسماتهم الخفيّة عند مواجهة غضبة الناس وثورة نفوسهم.. النماذج تترى على مرِّ التاريخ، ولن تنتهي بالقذافي مثلاً، وبشار الأسد.. فحيث يوجد هذا النموذج مع استمرار حب الدنيا، وغلبة غرورها، سيظهر آخرون يقدمون ضحايا لمقاعدهم هذا الدمار والنار في الأرض والصدور، وهذه الخسارات في المقدّرات والبشر.. ولو أنهم يعقلون، يؤمنون.. بأن لا بقاء لكرسي، ولا لسُلطة، ولا لزمن، ولا لجاه.. وهم يخرجون فارِّين أو مقتولين، ساقطين في مستنقعاتهم التي حفروها بأنفسهم خزايا ملفوظين.. البقاء ذكرى، فأيّ ذكرى سينهض شعب سوريا، عليها من جروحه وفقده وخساراته؟ فقد ابتلى الله شعوباً بفراعنة العصر الحديث، كان كلٌّ منهم عبرة للآخر.. بعد أن تدمّرت بلادهم, وقضي على العباد فيها،.. وهتكت عورات وعورات.. وكشفت الثورات عن خبيء وظاهر، وكثير وقليل.. وتعرّت نوايا، وظهرت ملفّات، ونشرت صحف على الأقل للرأي العام في أنحاء العالم،... وكان يمكن تجنُّب كلّ ذلك بالاستسلام لرغبة شعوبهم بعد أن تم تفريطهم الجهار.., بتسليم الولاية في سلام.. لكن من يستطيع هذا غير المؤمن حقاً..؟ ولأنهم لا يؤمنون لا يتفكّرون.. فحب السُّلطة والجهل بحقيقة بشريّتهم، وعجزها يعمي البصائر والأبصار.. ما حدث يوم الأربعاء أمس الأول في سوريا وما تلى يؤجّج السؤال: ماذا لو أنهم يعقلون..؟ هل كان بشار, ومن على شاكلته على ثقة بأنّ آلياتهم، ومعدّاتهم، وجيشهم المقرب ستبقى لهم الحصن والحافظ..؟. يا لمهزلة الجهل، وعنفوان الغفلة، وطغيان الجبروت..؟ ترى لو كانت لبشار بصيرة عقل طبيب عرف في درس تعلّمه قدرة الله في خلق العين الصغيرة في الرأس، بكلّ ما يذهل فيها الإنسان المخلوق، ويعجزه.. لأدرك أنه واحد كذرّة في كون الله، لا حول له ولا قوة إلاّ بالله الذي أوصله لهذا المكان، وطوّقه بأمانة واجب الأداء، وهو وحده من يسلبه ما لهذا المقعد من الأمان متى فرّط، وتجبّر، وجهل فتمادى.., وقد حدث.. فجبابرة الأرض وعصاتها، فراعنة القوة، وحيل الغرور.., الظانُّون أنّ قتل الأمانة في أيديهم غايتها بقاؤهم كيفما يريدون.. هؤلاء لو أنهم يؤمنون..؟ لكانوا من العاقلين.. ولأنهم ليسوا كذلك، فإنهم لم يكونوا مؤمنين.. اللهم تمِّم على المسلمين السوريين فضلك، وأخرجهم من الكربة كما أخرجت نبيّك من قلب الحوت آمين. عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855