يتسمر إبراهيم المطيري مرحل البلاغات في هيئة الهلال الأحمر السعودي أمام الشاشات المركبة في مكتبه متابعًا خطوات وصول سَيَّارَة الإسعاف إلى موقع حادث وقع في شارع بالرياض، ويدفع بالتوجيهات أولاً بأول في محاولة لتجاوز العقبات التي تواجه زملاءه في الميدان، عاملين بجدِّ لإنقاذ حياة مصاب ومسابقة الزَّمن من أجل هذا العمل الإِنساني. في أحايين تمرُّ الأمور كما يجب، وتصل السَيَّارَة في وقت قياسي وتُؤدِّي المهمة على أكمل وجه، لكنَّها في أحايين كثيرة تَتَعرَّض لمضايقات وازدحامات في الطَّريق تُؤثِّر عليها، يدفعها غياب مسارات الطوارئ في الطريق، لكن الأكثر تأثيرًا ازدياد ظاهرة التجمهر حول الحوادث. «الجزيرة» تفتح هذا الملف وتستطلَّع آراء العاملين في هيئة الهلال الأحمر السعودي. إلى التفاصيل: بلاغ ولحظات حاسمة يقول المطيري: إن الرحلة الإسعافية تبدأ منذ لحظة تلقي البلاغ وهذه اللَّحْظَة تُعدُّ اللَّحْظَة التي عادة ما يكون فيها العاملون بغرفة العمليات المركزية بالهيئة في أمس الحاجة لأن يَتمَّ تزويدهم بأيِّ معلومة حول حالة المريض أو موقع الحادث. ويلفت المطيري -وهو فني إسعاف يعمل في غرفة العمليات المركزية بالإدارة العامَّة بمنطقة الرياض- إلى أن العاملين بغرفة العمليات المركزية في لحظة تلقيهم البلاغ وتوجيههم للفرقة الإسعافية لمباشرة البلاغ عادة ما يفتحون خطًّا ساخنًا مع المبلغ بحيث يتم توفير أكبر وقت ممكن للوصول إلى موقع الحادث من خلال تحديد موقع الحادث بِشَكلٍّ دقيق. إرشاد وتوجيه وبيَّن أن مأمور غرفة العمليات بالإضافة إلى مهمَّته الأساسيَّة وهي تلقي البلاغ وتوجيه فرقة إسعافية لمباشرته فهو يعمل كذلك مرشدًا إسعافيًا يعطي بعض الإرشادات الإسعافية للمبلغ، التي ينبغي عليه القيام بها على أكمل وجه لكي يحافظ على سلامة المصاب الذي قد لا تنتظر حياته وصول فرق الهلال الأحمر السعودي، فبعض الحالات إذا لم يتم التَّعامل معها بِشَكلٍّ فوريٍّ فإنَّها قد لا تنتظر دقائق معدودة وهي المدة التي قد تصله فيها سَيَّارَة الإسعاف أو أحد فرق الاستجابة المتقدم. عبد العزيز بركة المطيري من منسوبي الهلال الأحمر يقول: إن العاملين في المجال الميداني يواجهون العديد من الصعوبات التي قد تحوّل ما بينهم وما بين المهمة الواجب تأديتهم لها بالشكل المطلوب ابتداءً من لحظة مباشرة البلاغ، فطريق سَيَّارَة الإسعاف إلى موقع الحادث عادة ما يكون طريقًا مليئًا بالمخاطر والصعوبات، فللأسف لم يتم تهيئة الطرق بمسارات خاصة لسيَّارات الإسعاف والطوارئ كما هو معمول بها في بعض دول العالم المتقدمة. قطع الإشارات خطر وشدد على أن الصعوبات لا تقف عند هذه الحدود، فغالبًا ما يتربص الخطر بالكادر الإسعافي الموجود داخل سَيَّارَة الإسعاف، فتجاوز سَيَّارَة الإسعاف للإشارات الضوئية ليس بالأمر السهل، ولاسيما أن هناك أناسًا كثيرين لا يعون النداءات المتكرِّرة من خلال الصوت الذي يتم إطلاقه من سَيَّارَة الإسعاف وهو إشارة إلى أن هناك إنسانًا حياته في خطر قد يكون فضول أحد المواطنين سببًا في إنهاء حياته أو إنهاء حياة قائد مركبة الإسعاف والمسعف المرافق له، فهناك عددٌ كبيرٌ من المسعفين دفعوا ثمن فضول المواطنين سواء عندما يتعرَّضون لحوادث مرورية بمركبة الإسعاف قد تفقدهم أرواحهم وهم يؤدون أسمى معاني الأعمال الإنسانيَّة (إنقاذ حياة إِنسان). يقول صالح البلوي -الذي يعمل بهيئة الهلال الأحمر السعودي- بأنّ حدود العوائق لا تقف على رحلة سَيَّارَة الإسعاف، بل تتوسع بِشَكلٍّ أكبر من ذلك حينما تصل الفرقة الإسعافية إلى موقع الحادث الذي غالبًا ما يكون جوّه مليئًا بالشحن النفسي، فالمشهد لا يمكن وصفه. وبيَّن «هناك مصاب مستلقي على الأرض قد يكون مضرجًا بالدماء، وهناك أقارب وأناس يصيحون ويبكون بالإضافة إلى أن هناك أناسًا يطالبوننا بسرعة نقل الحالة دون تقديم الإسعافات الأولية لها في موقع الحدث حتَّى يتم نقلها إلى سَيَّارَة الإسعاف، ثمَّ إلى أقرب منشأة طبية تقوم بمتابعة الحالة الصحيَّة للمصاب وحتى استقرارها سواء كانت تلك الجهة أهلية أم حكومية. التجمهر مشكلة وعن الصعيد ذاته تحدَّث لنا عبد العزيز الذيفاني قائلاً: للأسف أن تجمهر النَّاس عادة في موقع الحادث يؤثِّر بالسلب على أداء المسعفين، فالتوتر هو السمة الأبرز في مثل تلك المواقف مما ينتج عن ذلك مشادات كلامية بين المسعفين وبعض النَّاس وقد يتطوّر الموضوع إلى اشتباك بالأيدي نتيجة تلفظ بعض الموجودين في موقع الحادث على المسعفين بألفاظ نابية لا تليق بالعمل الإنساني الملقى على عاتق هذا المسعف ويبيِّن الذيفاني أنَّه للأسف عادة ما تُؤثِّر مثل هذه المواقف على شخصيَّة المسعف والحالة النفسية التي يمرُّ بها، فالمسعف قبل كل شيء بشر يتأثر بما يشاهده من مناظر مؤثِّرة في موقع الحادث بالإضافة إلى أنّه يجب أن يكون المسعف على درجة كبيرة من التركيز أثناء تأديته لمهام عمله ومثل هذه المشادات والمضايقات قد تُؤثِّر عليه أثناء تأديته لعمله. ويبيِّن الذيفاني أن أحد أسباب نشوب بعض المشادات الكلامية والتشابك بالأيدي ما بين المسعفين وبعض الموجودين في موقع الحادث هو إصرار البعْض على نقل المصاب إلى مستشفى معين يكون المصاب يقوم بمراجعته بِشَكلٍّ مستمرٍ وهناك ملف خاص بحالته وهو ما قد يوقع المسعفين في حرج مع المسئولين في ذلك المستشفى لعدم وجود سرير شاغر حيث إن مثل هذه المواقف تتطلب تعاملاً معينًا وأمثل بحيث يمتص المسعف الغضب الجامح الذي يعتلي الشَّخص المبلغ من جرَّاء تعرّضه لصدمة نتيجة رؤيته لقريب له أو إنسان يصارع البقاء فيقع المسعف ضحية ما بين عدم وجود سرير شاغر في المستشفى المقصود وما بين أقارب وذوي المصاب أو رغبة المصاب نفسه. ويضيف أن مسألة تهيئة المسعفين للتعامل في مثل هذه المواقف يكمن من خلال إقامة عدد من الدورات في الطّب النفسي لتعليمهم كيفية فن التَّعامل وضبط النَّفْس في أحنك المواقف وأصعبها. تهكم فضائي وصورة سلبية وأوضح أحمد الطيار -الذي يعمل مشرفًا على غرفة العمليات بهيئة الهلال الأحمر- بأنّ العاملين في الميدان من منسوبي الهيئة للأسف لا يلقون الاحترام والتقدير من المجتمع كسائر القطاعات الحكوميَّة الأخرى أثناء تأديتهم لمهام عملهم نتيجة عدم وعي أبناء المجتمع بحجم العمل والمسئولية التي تقوم بها الهيئة وبسبب تهكم بعض القنوات الفضائية والصُّحف ومواقع الإنترنت مما دعا إلى ترسيخ مفهوم لدى المجتمع بأن سَيَّارَة الإسعاف دائمًا تتأخر وبأن المسعفين مهملون ومستهترون بأرواح النَّاس وجعل المجتمع يلقون باللوم على الإسعاف ولكن في الواقع أن سبب تأخير وصول سَيَّارَة الإسعاف يرجع لعدة عوامل من أبرزها بعد المسافة ما بين مركز الإسعاف وموقع الحادث بالإضافة إلى عدم وضوح عنوان المبلغ. من جهته قال صالح النذير: إن التجمهر يعد أحد أبرز العوائق التي تواجه العاملين لاسيما وأن بعض الحالات الإسعافية لا تتحمَّل أيّ تأخير وحادثة انفجار الغاز بالرياض خير شاهد على ذلك حيث إن تجمهر المواطنين والمقيمين في موقع الحادث جعلت الفرق الإسعافية التي باشرت الحادث تواجه صعوبة كبيرة للوصول للمصابين بالإضافة إلى تدخل بعض الموجودين في الميدان في نقل الحالات الإسعافية وهو ما ساهم في مضاعفة الإصابات.