من يقرأ المبلغ المعتمد (10) ملايين ريال للجنة الأولمبية السعودية و60 مليوناً ل(153) نادياً في واحدة من أكبر وأضخم موازنة في تاريخ المملكة, سيخرج باحتمالين لا ثالث لهما، إما أنّ وزارة المالية لا تعترف بشيء اسمه الرياضة والشباب, وإما أنها لا تثق بالجهاز الذي يدير هذا القطاع, وفي الحالتين الضحية هم شباب ورياضيو البلد الشريحة الأهم والأكبر في تعداد سكان المملكة.. نعم لا وجه مقارنة بل لا يجوز أن تصل موازنته إلى 10% مما ينفق على التعليم أو الصحة أو الطرق، لكن في نفس الوقت من المخجل أن تنظر وزارة المالية للرياضة والشباب بهذا التهميش، وعدم الاهتمام بحقوق وتطلّعات ومواهب وقدرات وطاقات الملايين من أبناء الوطن, ومضحك أن يخصّص لكل نادٍ ولا أقول فريق حوالي (200) ألف ريال سنوياً للإنفاق على الأنشطة الرياضية والثقافية والاجتماعية, وعلى مئات اللاعبين وعشرات المدربين والألعاب، وغير ذلك من مرتبات ومعسكرات وإيجارات ومكافآت ومقدمات عقود ومصاريف أخرى يصعب حصرها, ومحبط جداً أن يعتمد للجنة الأولمبية بكافة اتحاداتها وألعابها واستحقاقاتها وبطولاتها وبرامجها مبلغاً يعادل قيمة عقد لاعب كرة قدم لسنة واحدة.. إزاء ما يحدث ويتكرر ويؤثر على مستوى وحاضر ومستقبل الرياضة السعودية لا يكفي التنديد والشجب والاستنكار إعلامياً, ولا يليق بالرئاسة لرعاية الشباب التعليق على هذا الأمر على استحياء ودون إيضاح موقفها مما يجري أو إيجاد حلول شافية وقرارات رسمية حاسمة, وهذا يتطلّب من الجهات الرياضية المتضرّرة وفي مقدمتها الرئاسة، اتخاذ خطوات جريئة تتمثّل في اعتذار كل رئيس اتحاد عن مواصلة عمله لحين توفير الميزانية الكافية لاتحاده , والموقف نفسه ينطبق على أمين اللجنة الأولمبية السعودية محمد المسحل, والذي يُعَد واحداً من أفضل وأنبل الإداريين الرياضيين, لذلك ولأننا لا نريد أن نخسره ونخسر فكره وحماسه وخبرته، وكي لا يضيع جهده وتعبه وتخطيطه هباءً، لا بد أن يكون له قرار مفصلي في هذا الشأن فيعلن انسحابه حالياً، وقبل أن يلام فيما بعد على صمته، فلا يصبح وقتها لكلامه معنى ولا لتبريره جدوى طالما أنه أخذ على عاتقه القيام بالمهمة بكل مخاطرها ومشاكلها وتعقيداتها.. أعداء الأخضر أجزم أنه لا يوجد أحد على وجه الأرض يكره منتخب بلده، ويزرع التأزيم والتحطيم والإحباط في طريقه، مثلما يفعله الكثير من الإعلاميين والمحللين السعوديين في وسائل إعلام لم تفهم بعد قيمة وأهمية وحساسية ومسئولية الرسالة الإعلامية تجاه المتلقّي والوطن والإنسان بوجه عام.. ليست مصادفة أنه في كل مرة يتجه فيها الأخضر لخوض بطولة ما، يأتي من يشكك ويطعن في اختيارات المدرب, أو أن يجعل من اسم القائد قضية تحتاج لمناقشات وحوارات واتهامات، تصل حد المطالبة بمحاسبة من تجرأ وأعطى إشارة الكابتنية لهذا النجم دون غيره, أو يظهر من يتهم لاعباً أو لاعبين بتناول المنشطات, أو من يتعمّد إثارة موضوع الأفضلية بين هذا الجيل أو ذاك, أسوأ من هذا كله، أن تأتي صحيفة إلكترونية وتتجنّى قبل يومين من بدء خليجي 21 على قائد المنتخب ياسر القحطاني، وتلفق له حادثة خيالية تفوح منها رائحة الحقد والشر والإيذاء والكراهية, هذه وغيرها كثير بعيدة تماماً عن القراءة الفنية الموضوعية, كما أنّ توقيتها قبل البطولة يؤكد أن أهدافها ودوافعها غير نزيهة، وتبحث عن زعزعة المنتخب لأهواء شخصية وحسابات أندية أكثر من أي شيء آخر.. من السهل عليهم شتم المنتخب والتطاول على نجومه وإهانة إدارته والانتقاص من مدربه, وبالطبع ليس من باب أو على طريقة (من الحب ما قتل)، بدليل أن جرأتهم وشطارتهم ولغة سخطهم هذه، تختفي تماماً حينما يتعلق الأمر بأنديتهم المحبوبة الغالية المفضلة في عز سقوطها وإخفاقاتها كلهم هريفي في الشأن الإعلامي والذي بات اليوم للأسف الشديد في كثير هو القلق والأزمة والحدث الأسوأ، بدلاً من أن يكون الموجّه والحل والقدوة, من الضروري أن نعرف لماذا وكيف ومن المتورّط والمسئول عن ذلك؟ الإجابة تكمن في أن الأمر لم يعد مرتبطاً باسم بمفرده أو فئة دون غيرها أو برنامج بعينه، وإنما تحوّل إلى حالة أو ظاهرة صارت تكبر وتنتشر كالنار في الهشيم, كما انتقلت المنافسة لدى الكثيرين إلى حلبة صراع البارع والمنتصر فيها من يؤجج ويضج ويشتم ويؤزم ويتهم أكثر, لا مجال ولا مكان ولا احترام ولا اهتمام بالعقلاء والخبراء والأفكار المفيدة المخلصة النيّرة.. لو أخذنا فهد الهريفي كنموذج لما حدث مؤخراً وكثيراً فيما مضى ضد ياسر، لوجدنا أنّ ما قاله ويفكر به الهريفي، ما هو إلاّ نتاج لواقعنا الإعلامي الأشمل والأعم, لذلك ليس من العدل أن نلوم فهد فحتى وإن كان لاعباً ونجماً مميزاً إلاّ أنه يظل شخصاً له طموحاته وتطلّعاته ويبحث عن الشهرة والصيت بأي لغة أو أسلوب كان, وبما يتناسب مع ثقافته وفكره ومؤهّلاته, زد على ذلك أنه لم يفقد الأضواء والحضور في الملعب كنجم فحسب، بل فقد اهتمام واحترام ناديه الذي رأى أنه غير جدير بتكريمه بحفل اعتزال أو الاستعانة به كمدرب أو إداري, فاختار طريق مهاجمة ومحاربة كل ما هو هلالي خصوصاً في مشاركات المنتخب لتعويض، ما فقده من خلال تعاطف جماهير النصر معه وتأييده على تجاوزاته ليس حباً فيه أو إنصافاً لتاريخه أو دفاعاً عنه في وجه الموقف النصراوي الرسمي المتحامل عليه، وإنما لأنه يتحدث عن الهلال, وهذا يكفيه تكريماً ويكفيهم مؤازرة له.. في هذه الأجواء الإعلامية الفوضوية المشحونة المحتقنة نلوم الجهات المسئولة والقنوات الرياضية الرسمية وتلك المحسوبة علينا، على سلبيتها وقيادتها ومباركتها لهذا الغث والغثاء, ونذكرها بأنها تحمل أمانة مهنة ورسالة أمة وواجب وطن ومستقبل بشر, إلاّ إذا كانت ترى غير ذلك فهذه مصيبة أخرى وكارثة أخطر وأكبر. [email protected]