* و,, في هذه التلويحة، وقبل ان اضع نقطة امام نصاعة الشمس في الشأن القروي، سأسأل على لسانك افتراضاً هذا السؤال: هل تريد ان تؤكد على ان العالم القروي الذي لم يبق منه إلا الكلام اليوم، هو النموذج الإنساني الحضاري التعامل الذي لا يماثله عالم آخر، بوسائل انتاجية اخرى داخل مجتمع متعدد السمات والآليات,, وانك الوحيد في هذا المجتمع الذي جاء عبر خصوصيته الكتابية في هذا الشأن، وترغب في التأكيد الدلالي المستعار تجاه ما تكتب عنه او نحوه؟! السؤال مصوب تجاه الكاتب، وهو افتراضي، ولا يستبعد ان يكون حيا بصورة او بأخرى، ولتسمح لي بالجواب - سابقا ولاحقا - ضمن التوضيحات القليلة الموردة والواردة في هذه الزاوية، فالكاتب هو ليس بناقل لفتافيت المعيشة القروية التي عاشها وعلمها فقط بل إنه بحكم الطبع مستنبط له رؤية وزوايا التقاط، وجوانب رصد، وغيره، كأي كاتب يجادل واقعه في الكون المعمور فخذ قولي في إطار ما ذكر: * ليس صحيحا ان النموذج القروي هو النموذج المثل في المجتمعات الانتاجية أو الاستهلاكية، وتحديداً المحلية، ولك ان تبصر وتتبصر كما تشاء، فليس ثمة في التاريخ قوم او فئة بآلية انتاجية، وذات خبرة حوارية تجادلية مع نمطية اعرافها وتقاليد أحكامها البسيطة في اطار محدوديتها المعيشية,, تستطيع ان تكون نموذجا للكل بكامل صفاتها، مهما ادعت الفضيلة والانسانية العليا، وإنما قد نجد صفة او صفات في مجتمع أدواتي إنتاجي ما يمكن ان تكون خيرة في اطارها الانتاجي المعلوم، وكذلك في اطر اجتماعية مغايرة في وسائلها، وسلبية في صفات اخرى وهكذا، والكاتب هنا لا يطرح حلولا، وليس بمطالب باستعراض تاريخي او قاموسي او انثربولوجي ماسح شامل,, انه يكتب ضمن مفاهيمه عن عالم يدركه وعايشه,, لا يستطيع ان يتقمص او يدعي انسانية وقوانين المدينة الفاضلة فلو كان بدويا رعويا، او ساحليا صيديا، او نمايويا، او عامليا، أو,, أو,,، وكانت له التقاطات قلمية في شأن يراه كان له صفة الجمال او القبح او كلاهما,, فما الحرج؟!. ليعتبر المسألة القروية واحدة من هذه المنظومات المتعددة ولنذكر طرقها التنظيمية الاجتماعية التي تراكمت زمكانياً لتنسيق العلاقات بين افرادها وأفخاذها من اجل المحافظة على قيم وأعراف وتقاليد وعادات، تضمن للكل حقه وواجبه ومشاركته الضرورية كوحدة اجتماعية متكاتفة,, تشرب من ذات المنبع، وتأكل من ذات المنتج، في ذات الطين والجبل والدابة والشجرة، والبيت، والملبس، والرقصة، وذات العرس والميتم وعون الحاجة والعقيدة والمصلى. *** إن الآلية الانتاجية في اي عالم اجتماعي,, هي التي تصيغ الوسيلة التعاملية ونصوص اعرافها التقليدية العاداتية، وان الخروج عنها في ذات المحيط المحدود,, هو شذوذ نزفي يقطف نتيجة في وقته، لا يلبث ان ينتكس بعدد من الدوافع الحياتية الملحة آخرها (عدم الخروج عن الجماعة) فالمصلحة الجماعية أخيراً هي المرد لتوزيع الفائدة الفردية كل بحسب جهده وانتاجه. الجهد والانتاج الزراعي مردوده للفرد الفلاح ذاته، وإنما في إطار القانون العام الذي لا يخالف الآخرين، وليس فرضا واجبا على الفرد ان يصلح اراضيه الزراعية ويأكل من نتاجها، وإنما العيب كل العيب لو انه لم يفعل بسبب التقاعس، وهذا ما يخشاه حدّ النقص والمذلة وطعن الشرف. *** من هنا يتحدد ان الفقير في القرية هو فقير العمل الزراعي، لقلة ارضه الزراعية لأسباب لا يمكن خلعها من موضوعية الدوافع الفردية والجماعية ضمن اطاري الزمن والمكان وفي حدود المفهوم والقانون الدستوري لجماعة الانتاج الذي تهذب عبر الاجيال، وبالتالي فإن الواجب الجماعي هنا ودون اي تردد يظهر واضحا في مسألة العون البعيد عن التعاطف الاشفاقي، ايضا فإن المفهوم التكافلي في هذا الجانب يأخذ شكل الواجب العقيدي الملح الزكاة حيث لا مناص عنه بأية حجة، والكل لا يسأل فيه مفتيا ولا محدثا لانه معروف شكلا وكمية وموسما. ان الفقير بأي تصنيف كان,, لا يمكن ان يبقى متقاعسا بسبب مزاجي او تكاسلي,, لذلك فإن جهده الذي يضمه إلى الجماعة يكون تلقائيا مقدراً ويلبسه الكل تقدير الاحترام، فجهده متواجد في اعمال كثيرة ابسطها طينة سقف البيت المهني، وجنازة الميت والعرس، وانتهاء بالحصاد، والقيمة العينية وغير المشروطة، تؤخذ في وقتها حال الانتهاء من المشاركة في الحصاد، ولا تحسب إلى قيمة النوع وقت الواجب الزكوي الموسمي. هذه التفعيلة المختصرة في بعض وجوهها باتجاه الموقف التكافلي القروي,, كان لابد من الاشارة إليها كنوع من تفصيح الواجب الكتابي الذي اختصه الكاتب منذ زمن مع انه ليس على المطرب ان يطرب .