سليمان العلوان له فتوى يُحرم فيها لعبة كرة القدم، معتبراً إياها وقوانينها (ضربا من ضروب الحكم بغير ما أنزل الله) لذلك حرّمها وحرّم تشجيعها، و (التصفيق لها) لأن قوانينها (وضعية) وليست شرعية؛ وهذا في رأيه سبب كاف لحرمتها، فضلاً عن أنها لعبة (ماسونية) كما اكتشف فضيلته! . والفتوى بصوت الشيخ المذكور موجودة على هذا الرابط لمن أراد أن يستمع إليها بلسانه وتأصيله : http://www.youtube.com/watch?v=c45OBkbKQlw وليس لدي أدنى شك أن العلوان يُردد تهماً إما أنه لا يعرفها، أو أنها نقلت إليه، وردّدها دون أن يتحرى الدقة في ما يقول. العلوان يذكرني بمشايخ (طالبان) الذين افتوا بحرمة لقاح شلل الأطفال، والسبب أن فاجراً نقل إليهم أن هذا اللقاح يُعطى لتعقيم أطفال المسلمين جنسياً فى محاولة (استعمارية) لقطع نسل المسلمين وتحديد أعدادهم وإفقادهم خصوبتهم الجنسية، فأفتوا رأساً بحرمة اللقاح، وانصاع إلى فتواهم مئات الآلاف من الجهلة هناك، ما جعل كل جهود منظمة الصحة العالمية لاجتثاث شلل الأطفال من باكستان وأفغانستان تذروها الرياح بسبب هذه الفتاوى المتخلفة الظالمة .. وما رأي العلوان عن أولئك المشايخ الطالبانيين ببعيد؛ فهو وهم يلتقطون شائعات ثم يبنون عليها أحكاماً تُدينهم، وتُدين حصافتهم، وعدم اكتراثهم بالتيقن والتثبت مما يصدرون فيه أحكاماً. الغريب أن العلوان عندما أُوقف في قضية أمنية دفع محاميه بأن إيقافه: (مخالفة صريحة للمادة 13 في فقرته الأولى من الميثاق العربي لحقوق الإنسان والذي أصبح واجب الالتزام والتنفيذ منذ مارس 2008م وقد صادقت عليه المملكة العربية السعودية).. طيب؛ الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي اعتمد عليه محامي العلوان هو (قانون وضعي) صرف وليس شرعياً، فكيف تقبل أن يتكئ عليه محاميك إذا كان لصالحك، وأنت الذي تعتبر حتى (الكرة) وقوانينها لا يجوز فيها الانصياع إلى القوانين والأنظمة الوضعية؛ أليس في ذلك تناقض جلي يدل على أنكم تكيلون بمكيالين؛ فإذا كانت الأنظمة والقوانين (الوضعية) تخدمكم احتججتم بها، وإذا كانت لا تخدمكم أنكرتموها وحرضتم الناس على إنكارها لغرض في نفس يعقوب؟ .. وهذا شأنكم في كل قوانين حقوق الإنسان التي تتدرعون بها، وتتكئون عليها في مرافعاتكم وبياناتكم، مع أنها من ألفها إلى يائها قوانين وضعية صرفة. أما قوله بأن كرة القدم (لعبة ماسونية) فلا أدري من الذي غشه، وضحك عليه، وأدخل في ذهنه هذه المعلومة المغلوطة. كرة القدم وركلها بالقدم لعبة عرفتها كل الحضارات تقريباً؛ فقد عرفها الصينيون قبل 2500 من الميلاد، كما ورد في أحد مصادر التاريخ الصيني. وكانت تسمى (تسو تشو tsu chu) الكلمة الأولى تعني ركل، والثانية تعني الكرة؛ وكانوا يقدمون الولائم للفريق الفائز ويجلدون الفريق المهزوم. وعرفها اليونانيون القدامى وكانت تسمى (إبيسكيروس)، واليابانيون 600 سنة قبل الميلاد وكانت تسمى (كيماري) ، والمصريون 300 سنة قبل الميلاد. كما أن بعض المؤرخين العراقيين يجزمون أن العراقيين هم اول من لعبها اعتماداً على لوحة اثرية ثمينة تم اكتشافها في العراق يرجع تاريخها إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد. غير أن أول من قننها ووضع أنظمتها هم الإنجليز . ففي عام 1815 شرعت المدرسة الانكليزية المشهورة Eton College مع مدارس اخرى عددا من القوانين التى أصبحت الاساس او القاعدة لهذه اللعبة؛ وفي عام 1836 نال تشارلز جوديير براءة اختراع عن كرة من المطاط المقوى . وفي عام 1863 عرف العالم أول كرة جلدية منفوخة بالهواء. ثم بدأت قوانين الكرة تتطور وتتراكم مع الزمن، حتى أصبحت كما هي عليه الآن. والسؤال : من أين استقى العلوان هذه المعلومة المغلوطة التي بنى عليها فتواه أنَّ كرة القدم ماسونية؟ .. مثل هذه الفتاوى (المفبركة) أو المتعجلة والمغلوطة، ناهيك عن التزمت الذي تفيض به، قد تكون صالحة لزمن مضى وانتهى، أما اليوم فالموضوع اختلف، فليس كل ما يقوله أو يُفتي به طالب علم ناهيك عن عالم، سيتلقاه الناس (كطلابه) بالتسليم المطلق دون مراجعة أو تمحيص، كما كان الوضع في السابق، حين لا أحد بناقشهم فيما يقولون؛ فيجب عليه، وعلى أقرانه ممن يتعجلون في الفتوى، ويركبون الهوى، فيُقيمونها على قواعد هشة؛ مُجرد شائعات لا تعرف الحقيقة؛ أن يدركوا أننا في زمن المراجعة والتمحيص والتدقيق والمحاسبة؛ فإذا أقاموا فتاواهم على معلومة مغلوطة ردّها الناس حكماً، لأن ما بُني على باطل فهو باطل، بغض النظر عمن يكون قائلها. إلى اللقاء