للأديان أن تتحدث عن يوم القيامة والفصل والحساب حين تنصب الموازين، وللقانون أن يفصّل في مواد الجزاءات والغرامات، فما الذي يردع الإنسان عن فعل الشرور ويدفعه لفعل الخيور، الثواب والعقاب في اليوم الآخر، أم الحافز والرادع في اليوم الحاضر، صوت القانون المدني، أم صوت الواعظ الديني، هل السرقة والغش والجرائم الاخلاقية تنتشر اكثر في بلاد القانون الوضعي أم في بيئات الخطاب الوعظي، هل يعاقب اللص الصغير واللص الكبير على حد سواء أمام قاضٍ يحكم بنص القانون، أم بنص ديني، يسهل تأويله كل مرة. من يردع السائق المتهوّر والمخالف لأنظمة المرور، عين القانون أم صوت الشيخ ' قبل أكثر من خمس عشرة سنة أو تزيد قدم الشيخ الجليل العلامة محمد بن عثيمين يرحمه الله نصيحة قال فيها: (أود أن أنصح إخواننا السائقين وغيرهم عن قطع إشارة المرور؛ لأنها معصية، فإن هذه الإشارات إنما نصبت بأمر من وليّ الأمر، والعلامة الحمراء يعني قف، فإذا أمرك ولي الأمر أن تقف وجب عليك أن تقف، فإذا خالفت فأنت عاصٍ، حتى لو فرضنا أن الخط ما فيه أحد، فإنه لا يحلّ لك، بل تبقى حتى تعطيك الإشارة اللون المبيح للتجاوز ) وكذلك أجاب فضيلته غفر الله لنا و له عن حكم قطع الاشارة ' فأجاب: (بالنسبة لقطع الإشارة، فأرى أنه لا يجوز قطع الإشارة )، ومن فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء حول سؤال : ما حكم عكس شارع رئيسي أو غير رئيسي، وما حكم قطع الإشارة؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا. الجواب (لا يجوز مخالفة نظام المرور؛ لأن النظام وُضع لمصلحة المسلمين ) وكذلك أفتى فضيلة الشيخ بن جبرين يرحمه الله حول سؤال: ما الحكم الشرعي في تجاوز السرعة المحددة داخل المدينة وخارجها ؟ فأجاب غفر الله لنا و له : نرى فيما يظهر وجوب التقيد بالسرعة المُحددة، سيما في داخل المُدن، وفي الأماكن المُزدحمة بالمُشاة، وكذا خارج المُدن - سيما إذا كانت السيارات قديمة الصناعة- أو القائد من غير ذوي الخبرة، فإنه يحصل بالسرعة الشديدة مُخاطرة، ووقوع حوادث، يحصل منها وفيات وخسارة في الأرواح والأموال. كما أن على مَنْ يركب طريقًا طويلًا أن يتفقد سيارته، ويتأكد من سلامة عجلاتها وأدواتها، رجاء أن يحفظه الله ويقيه من شرّ الأخطار. (ا.ه )، ورغم هذه الفتاوى والنصائح العظيمة إلا أن حوادث المرور زادت ولم تتوقف السيارات والمخالفات عن حصد الارواح البريئة وتدمير الممتلكات الخاصة والعامة، فهل الخلل في النصيحة أم في عدم تقبّل النصائح، أم استهتار المنصوح وعدم مبالاته فيما يقول الأساطين والأحبار في العلم الشرعي، لماذا عجزت الفتاوى الصادرة من علماء أجلاء وفقهاء أكفاء أن تردع عن مخالفة أنظمة المرور وتقلل من الخسائر البشرية، وتمنع السائقين المتهورين عن تجاوز الاشارة الحمراء، ومع أن تلك المواعظ والفتاوى صدرت عن اكبر المرجعيات الدينية أو عن مؤسسات دينية رسمية، وقد حذّرت تلك المواعظ من العقوبة الاخروية لمرتكبي المخالفات المرورية، ومع تأكيدها أن عدم الامتثال لأنظمة المرور هو معصية لله ورسوله، إلا أن الناس لم يرتدعوا ولم يثوبوا إلى رشدهم، وظلت الحوادث المرورية تترى، حتى فاقت أعداد الوفيات في تلك الحوادث، قتلى الحروب والإبادات الجماعية. ظلّ صوت الموعظة الدينية يجلجل في أسماع المؤمنين سنوات واعواماً في كل المناسبات، واستمر التثقيف التوعوي بأهمية الالتزام بقواعد وانظمة السلامة المرورية يتكرر كل يوم ويعرفه كل سائق مركبة، وزرعت اللوحات الارشادية والتوضيحية في كل مكان للتقيد بأصول القيادة السليمة والآمنة وضاعت هباء كل الفتاوى والمواعظ والنصائح وخُطب المنابر وبرامج الارشاد والتوعية، سنين طوال والخطاب الديني، بكل حضوره وعمقه الاجتماعي، وبكل وسائله وأدواته المختلفة، وبكل المصروفات عليه بملايين الريالات، يحذرنا وينصحنا ويفتينا، يصبّحنا ويمسّينا، ولم تزد المخالفات والحوادث المرورية لدينا إلا اعتياداً، حتى اصبحت ضمن تقاليدنا ويومياتنا وبصمتنا وخصوصيتنا، واستمر المخالفون والمنتهكون لحرمة قتل الإنسان سادرين في غيّهم وغير مبالين بدماء الضحايا من المصابين والمتوَفين، ولم يرتدع المتهورون رغم كثرة أعداد المعاقين بسبب نتائج السرعة القاتلة. و حين تم تطبيق نظام وقانون ( ساهر ) المروري في الرياض، وبعد شهر واحد من تطبيقه، بدأت نتائجه تظهر على أرض الواقع محققة نقلة مهمة على خارطة العمل المروري وذلك في الحدّ من أخطر مسببات الحوادث المرورية والمتمثل في السرعة وإيقاف نزيف الأرواح البريئة والممتلكات التي راحت ضحية تلك الآفة الخطيرة، وبعد ما يقارب الشهر من تطبيق نظام «ساهر» المروري في العاصمة الرياض أوضحت الإحصائيات أن هناك انخفاضا كبيراً في أعداد الحوادث المرورية كما أن وفيات تلك الحوادث سجلت تراجعاً كبيراً في أعقاب تطبيق النظام لضبط وإدارة الحركة المرورية آلياً، مع أن الناس هم الناس والسائقون والمتهورون والسيارات والشوارع، هي نفسها قبل نظام ساهر، لماذا التزم السائقون بنظام المرور.. حين أصبحت يد القانون ( الساهر ) تطالهم وترصدهم، ولم يمتثلوا لصوت الفتوى مع أنها تحذّرهم من مغبّة مخالفتها، هل تأثير الموعظة والفتوى في قلوب وعقول الناس أقل من تأثير ( كاميرا ) ساهر، أم أن الخوف من ( المخالفات المرورية ) يعطي نتائج أكثر وأفضل من الخوف من مخالفات الفتوى والموعظة، هل يمكن إيجاد نظام ساهر لمنع مخالفات البيع والغش في المشاريع، ومخالفات الصرف في الاموال العامة، وساهر لمنع الواسطة والمحسوبية.