أعادت الأمطار الغزيرة التي شهدتها منطقة الباحة خلال الأيام القليلة الماضية التوهج للمدرجات الزراعية التي كانت وما زالت الوسيلة المثلى للاستفادة من مياه الأمطار واستصلاح الأراضي الزراعية. ويعد ارتفاع منطقة الباحة عن مستوى سطح البحر بما يقارب ال 2215 متراً، أحد أبرز الأسباب في لجوء أهالي المنطقة لبناء وصناعة تلك المدرجات, نظراً للتضاريس الجبلية والانحدارات الشديدة التي تقع عليها الكثير من أراضي قرى السراة والأصدار وجزء من تهامة. وتكمن أهمية المدرجات الزراعية في احتجازها لمياه الأمطار التي تشكل المصدر الأساسي للمياه المستخدمة في الزراعة قديماً, ولعل من يشاهدها الآن يدرك تماماً حجم التخطيط الهندسي في بنائها وتصميمها؛ إذ كانت يوماً ما معياراً لثروات الرجال, حيث يتنافس أبناء القرية الواحدة في بنائها وصيانتها ليعتاشوا مما تنتجه من محاصيل عمت فائدتها أجيالاً وأجيالاً. وعادة ما تكون المدرجات الزراعية متوسطة الارتفاع, حيث تتفاوت أعداد أراضيها أو ما يعرف ب «الركيب» من خمسة إلى عشرة أراض تكون فوق بعضها البعض, ويصل ارتفاع الواحدة عن الأخرى من النصف متر إلى المترين والنصف تقريباً, ويكون أسفلها ما يسمى ب «الجلة» التي تستقبل المياه الهابطة من المدرجات الزائدة عن حاجتها لتقوم بتصريفها إما إلى الغرب باتجاه تهامة أو إلى الشرق باتجاه نجود المنطقة. ويتحكم شكل الهلال في بناء المدرجات على السفوح, فيما تزداد توسعاً وانبساطاً في الأودية, وجميعها تتميز بتجدد تربتها سنوياً, في حين تنقسم أراضيها إلى قسمين الأولى تسمى «العثري» وتُنطق بشد حرف الثاء ويقصد بها المواقع التي تعتمد على سقوط الأمطار وإنتاج محاصيلها بدون ري, بينما يطلق على القسم الثاني «المسقوي» وهي التي تسهم الآبار في ريها. وبالرغم من قلة مساحة تلك المدرجات الزراعية إلا أن مردود محاصيلها الزراعية مرتفع وذلك لتجدد تربتها, واقتصار زراعتها في الغالب على محصول البر «الحنطة», وغالباً ما تزرع بخليط البر والشعير وتعرف ب «المشعورة». وبالعودة لأبرز العوامل التي أسهمت في انتشار المدرجات الزراعية بمنطقة الباحة, فإنها تنصب بين العوامل الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية, حيث إن الطبيعة الجبلية للمنطقة ووعورة المرتفعات والانحدارات الشديدة كانت دافعاً للتفكير في إنشاء المدرجات الزراعية, فضلاً عن وجود الصخور الصلبة وتوفر الحجارة التي ساعدت في بناوتشييد المدرجات وحفظ التربة وتماسكها, وكذا تنوع المناخ في المنطقة الذي ساعد على تنوع المحاصيل الزراعية فيها ودفع الأهالي نحو الاهتمام ببنائها. أما العوامل الاجتماعية والاقتصادية, فهي تنحصر في نشاط إنسان ذلك الزمان وقدرته على تسخير الطبيعة لمصلحته، الأمر الذي ساعده في معالجة العوامل الطبيعية والاستفادة منها في النشاط الزراعي القائم على مساحات تلك المدرجات، حيث تعد الزراعة في المنطقة هي النشاط الاقتصادي الأساسي للسكان بحكم انعدام فرص الأنشطة الاقتصادية الأخرى في المنطقة آنذاك. ولمَا كان الارتباط بعرى الأرض قديماً يمثل شريان الحياة, جاءت إبداعات بنو البشر لحاجتهم الماسة للحياة الكريمة, فحينما تغوص في ذاكرة أولئك الرجال من المزارعين القدامى, تهفو الأنفس إلى اشتمام رائحة تربة تلك المدرجات المشبعة بمياه الأمطار, التي كانوا يقتاتون منها بكدٍ وعناء امتزج بابتسامة عريضة تعتري الوجوه لتكشف كم هي الحياة القديمة جميلة وبسيطة. وفي سياق متصل، انتعشت محلات بيع الملبوسات الشتوية وأدوات التدفئة في منطقة عسير، مع بدء دخول موسم الشتاء وانخفاض درجة الحرارة وبرودة الأجواء ولاقت إقبالاً متزايداً من قبل المواطنين والمقيمين. واستقبل الباعة زبائنهم بالعديد من أنواع المستلزمات الشتوية من الأقمشة الصوفية والبطانيات والملابس الثقيلة، كما عرضت المحلات التجارية كميات كبيرة من وسائل التدفئة الكهربائية. والتقت وكالة الأنباء السعودية في إحدى المجمعات التجارية المكتظة بالزحام، مع عدد من الباعة الذين أكدوا أن أكثر المبيعات هي البيجامات الشتوية والجاكتات (الأكوات) وأقمشة الثياب الصوفية حيث يزيد الطلب عليها من قبل طلاب وطالبات المدارس. وأشار عدد من المواطنين إلى أن الأسعار الملابس شهدت ارتفاعاً ملحوظاً مؤكدين أن أسعار البيجامات والجاكتات مرتفعة عما كانت عليه في الماضي حيث تراوحت أسعار البيجامة للكبار ما بين 50 إلى 90 ريالاً، فيما كانت تتراوح أسعارها في الأعوام السابقة ما بين 25 إلى 60 ريالا. وقال البائع عبدالله عسيري إن هناك ارتفاعاً في أسعار الملابس الشتوية، حيث يزداد الطلب على هذه المنتجات مشيراً إلى أن أسعار الجاكتات تتراوح ما بين 100 إلى 400 ريال. واختار محمد المشعلي، شراء بشت الفرو بسعر 120 بديلاً عن البيجامات والجاكتات مفضلاً ارتداءها والتي تمنح الجسم دفئا طوال اليوم وتقيه برد الشتاء على حد قول.وأكد البائع موسى القرني أن هناك إقبالا متزايداً على شراء البشوت والجاكتات والفرو، التي تختلف أنواعها وتصل أسعارها إلى 300 ريال. وشهدت محلات بيع وتفصيل الثياب الرجالية حركة دؤوبة من المتسوقين لاقتناء الثياب الشتوية الملونة، حيث تتراوح أسعارها حسب نوع القماش ما بين 150 إلى 300 ريال للثوب الواحد. ومن جانبه، قال حسن مفرح صاحب محل أجهزة إلكترونية، إن عشرات الزبائن يرتادون محله يومياً لشراء أجهزة التدفئة السخانات والدفايات، التي تتراوح أسعارها ما بين 150 إلى 600 ريال حسب النوع والمواصفات، مبيناً أن الدفايات الكهربائية التي تعمل بالماء والزيت والفريون، يزيد الإقبال عليها.