يميل الغرب إلى التفكير في أن الابتكار عبارة عن الجهاز التكنولوجي البرَّاق التالي الذي سيتم إطلاقه، ولكن في الأسواق الناشئة، قد يسمح حتى ازدياد النفاذ إلى أنواع التكنولوجيا المتاحة، على غرار الإنترنت العالي السرعة والهواتف الذكية، إلى التفكير بطريقة مستحدثة في المشاكل المحلية.. وبالنتيجة، قد تُنتج هذه المناطق ذات يوم ابتكارات ذات مستوى عالمي. وقبل الربيع العربي بوقت طويل، لجأ أصحاب المشاريع في الشرق الأوسط إلى الابتكار لتجاوز التحديات، ورصْد فرص نمو جديدة.. ويُمثِّل العالم العربي سوقاً استهلاكياً واسعاً ونهِماً.. وبالتالي، ليس مفاجئاً أن تكتشف الشركات في المنطقة طرقاً مبتكرة للنفاذ إلى المستهلكين.. وفي مواجهة التعقيدات التنظيمية لكل دولة على حدة، أنشأت «أرامكس»، أكبر شركة تسليم ولوجستيات في المنطقة، خدمة التسوق والشحن Shop and Ship، التي تخوّل العملاء طلب منتجات من أي متجر تجزئة تقريباً عبر الإنترنت في الولاياتالمتحدة، والمملكة المتحدة، والصين، وأخيراً الشرق الأوسط.. وهي عملية متماسكة، تتلقى «أرامكس» في سياقها المنتجات المطلوبة في مرافقها، وتُعنى بكل الإجراءات البيروقراطية المسببة للصداع، ثم تسلّم المنتجات إلى المتسوق مباشرةً. ولا مفاجأة كبيرة في أن تلجأ أسواق جديدة إلى التكنولوجيا لحل مشاكل محلية.. وما أراه مثيراً للاستفزاز هو أن تتأتى عن هذه الجهود في إحدى المراحل، منتجات مبتكرة وتنافسية على مستوى عالمي.. وبالرغم من التقلبات في الشرق الأوسط، فهو يحفل بالقدرات.. والجدير ذكره أنها منطقة بالكاد عرفت خطوط الهاتف الثابتة، مع أن مستويات تغطية الجوال فيها اليوم تناهز المئة في المئة.. وعند إدخال الهواتف الذكية الرخيصة الثمن (أي ما دون خمسين دولاراً) إلى الأسواق، سرعان ما سيلي ذلك اعتماد جماعي للحوسبة عبر الهواتف الجوالة.. فما الدرس الذي قد يعلّمه الشرق الأوسط للعالم بشأن مستقبل الابتكار المرتبط بالجوال؟ وتتوافر فرص أخرى للابتكار.. فماذا عن ملايين الأشخاص الذين نسّقوا الثورات العربية باللجوء إلى شبكات التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا الهاتف الجوال؟ لقد سردوا روايات، وأطاحوا بأنظمة.. فهل تبرز شبكة التواصل الاجتماعي العالمية التالية من هذه التجارب؟ كان هناك يومٌ في حياتي، لم يتصور فيه أحدٌ أن اليابان، أو فنلندا، أو كوريا قد تصبح رائدة في الابتكارات المرتبطة بأجهزة أو ألعاب الكومبيوتر.. وصحيح أن أي ابتكار عظيم وعالمي في مجال البرامج لم يحصل منذ سنوات، أو على الأرجح أبداً، خارج الولاياتالمتحدة، ولكن ما دامت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ملتزمة بالتطرق إلى مشاكلها بطريقة مبدعة، وما دام انتشار التكنولوجيا الرخيصة التكلفة متواصلاً، ما عاد شعار «صنع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» بعيد المتناول إلى هذا الحد. (*) يُعتبر كريستوفر شرودر صاحب مشروع اتخذ من واشنطن العاصمة ونيويورك مقراً له، وهو الرئيس التنفيذي السابق لموقع healthcentral.com.. ويعمل على تأليف كتاب عن الشركات التكنولوجية الناشئة في الشرق الأوسط، من المتوقع صدوره في الربيع القادم).