تمثل رحلة الحج حجر الزاوية في أدب الرحلات، فالحج إلى بيت الله الحرام له أعظم الأثر عند جميع المسلمين تاريخاً وعقيدة، وهو الباعث إلى السفر نحو الديار المقدسة وتدوين وقائع الرحلة لهذه البقاع والرحاب الطاهرة. وكم أثار الحج من مشاعر سجلها عبر التاريخ عدد لا يحصى من الأدباء والشعراء والمؤلفين فصوروا الحج ومشاهده وأماكنه وكان للأدب من ذلك حصيلة كبيرة تجلت في آثار الأدب وروائعه. وهذا الكتاب المسمى «رحلة الحجاز» يشتمل على خواطر أدبية ووصف لرحلة إبراهيم المازني للحجاز لأداء الحج وذكر الأماكن التي مر بها، وتحدث المازني عن العادات والتقاليد السائدة في الأكل واللباس ووصف شوارع جدة وسكانها، ثم غادرها إلى مكةالمكرمة حيث تحدث عن الإحرام وعن البيت الحرام وعن دخوله الكعبة المشرفة، كما أورد مقابلته مع نائب الملك الأمير فيصل. الكتاب عموماً من كتب الرحلات الساخرة، ومن سخريته ما أورده تعليقاً عن إطالة بعض السكان لشعورهم وترجيلها وكحل عيونهم إذ كان يتحدث إلى أحدهم على أنه امرأة. فهو تسجيل لتلك الرحلة وما شاهده في طريقه وعن المناطق التي زارها وما تحفل به من دور وقصور وأودية ومساجد وآثار ومشاهد روحانية، ولقد عرف الأديب إبراهيم عبد القادر المازني الذي ولد عام 1308ه وتوفي عام 1368ه بأنه من رواد الأدب وأعلامه وقد كان قمة من قممه واقترن اسمه مع الرواد كالعقاد وطه حسين وعبد الرحمن شكري وأحمد أمين وغيرهم من الأدباء العمالقة الذين كان لهم دور في الحياة الأدبية وتألقوا في فتراته وأضاء السبل لغيره من الأدباء ورسموا للكتّاب والأدباء جوانب وملامح الأسلوب الأدبي في مختلف الموضوعات الاجتماعية والفكرية، ومن مجموعة قصصه ومقالاته الساخرة يمكن أن نقف على مقومات شخصيته والبيئة التي نشأ فيها وانعكاس المجتمع بقيمه وتطوراته على نفسه وموقفه من الأمور التي كانت تقع له، ولقد كان المازني شاعراً يجسد في شعره انفعالاته ويصور همومه وأحزانه وذكرياته وامتاز شعره بجزالة اللفظ ونصاعة الفكرة، جمع بين الثقافة العربية والتراثية وبين الثقافة الغربية وكان زميلاه شكري والعقاد من أتباع المدرسة الرومانسية ومن أصحاب مدرسة الديوان وكان بينهم وبين مدرسة شوقي وحافظ معارك نقدية، حيث أصدر كتاباً بعنوان «شعر حافظ» كما أصدر العقاد كتاب «الديوان» حيث نقدا فيه حافظاً وشوقياً، وتعرض بعد ذلك في دراسة نقدية لشكري والمنفلوطي. ولقد تميز أسلوبه بالسخرية والفكاهة التي شاعت في مقالاته وله فلسفة خاصة في الحياة، وقد عمل في الصحافة فترة من الزمن حيث كتب في الأهرام والهلال والبلاغ والرسالة وغيرها من الصحف والمجلات، وكان يقدم تجارب حياته اليومية في قصصه التي جمعها بعد نشرها في الصحف في كتب ويصفه الناقد محمد مندور بأنه كان رائداً للتجديد الأدبي بعامة والشعر بخاصة في النصف الأول من هذا القرن. وقال عنه أحمد المازني: كان أديباً عظيماً وصاحب مدرسة ومذهب في الأدب وقال العقاد: لا أعرف في أدب المشرق والمغرب نظيراً للمازني في إجادته لأدب التراجم فهو يترجم النثر في أسلوب كأسلوب الجاحظ ويترجم الشعر في أسلوب كأسلوب الجاحظ. وقد أضفى على ترجماته من حسه وروحه وطلاوته وموسيقاه ما جعل الناس يقبلون بشوق وشغف عليها واتسم إنتاجه بالخصوبة والتنوع، ولقد حذا في شعره وتأثر بالشريف الرضي وابن الرومي وبشار وغيرهم من الشعراء العباسيين وكان يكثر من الشكوى والضجر والتألم والوحدة والحرمان كما جاء في إحدى قصائده إذ يقول: خيم الهم على صدري يا صديقي وبدت في لحظة الليل الهموم فبرع في هذه الجوانب من الشعر أكثر من براعته في أغراض الشعر الأخرى وصدرت له طائفة من الكتب في الأدب والرحلات والقصة والرواية، وفي قصصه تصوير العواطف بأسلوب حساس ينبئ عن شعور عميق وعاطفة جياشة وتصوير لمظاهر الطبيعة وخلجات الوجدان والانفعال العاطفي ومؤلفه هذا عبارة عن خواطر أدبية لرحلته إلى بيت الله الحرام وتأدية فريضة الحج. إن كتبه تمثل مرحلة من مراحل الحياة الأدبية وصفحة من صفحات الفكر الأدبي لبعض الأحداث والذكريات الأدبية وما فيها من فلسفة ساخرة وخيال شعري وهي تمثل عصارة ذهنه وعطائه وبحثه في نقد الحياة والأدب والشعر. ونختم القول بما قاله عنه صديقه العقاد في حفل التأبين الذي أقيم له في مجمع اللغة العربية: كان منذ صغره أخلص الأدباء للشعر والأدب والكتابة ورسم صورة قلمية تنبض بنبض حياته في مسراتها وأحزانها وقوتها وضعفها «وإن كتاب رحلة الحجاز يتجلى فيه أسلوبه الوصفي المعبر يرسم بقلمه ويتفنن في صوره وكثيراً ما يعمد إلى الأسلوب القصصي ويستخدم الحوار. وفي رحلته هذه لم يقدم معلومات بل قصد إلى إمتاع القارئ يضاف إلى ذلك المقارنة بين الماضي العريق والحاضر المزدهر، وإن مؤلفه هذا عبارة عن خواطر أدبية ووصف لرحلته لأداء فريضة الحج والمشاركة في احتفالات مبايعة الملك عبد العزيز حيث تحدث بالتفصيل منذ ركب الباخرة من السويس إلى ينبع ومنها إلى جدة ثم إلى مكة حيث وصف ينبع وسوقها وقدر عدد سكانها بعشرة آلاف نسمة وتحدث عن عدد الجند فيها ثم وصف رابغ وتحدث عن جدة، حيث نزل هو ورفاقه من المدعوين عند بعض وجهاء المدينة مثل محمد نصيف والشيخ الفضل وحسين العويني تحدث عن جدة وسكانها، وبالجملة فقد اشتملت رحلته على وصف دقيق وتصوير بديع وأسلوب أدبي ساخر خلال رحلة الحج التي قام بها ومشاهدة قوافل الحجيج وتنقلهم بين المشاعر وخصائص تلك الأيام المباركة في هذه الرحاب الطاهرة. وفي هذا السياق استعرض رحلة أخرى بعنوان «رحلتي إلى الحجاز»: وهي عنوان كتاب يعد من أدب الرحلات ويقع في 155 صفحة، من القطع المتوسط. أما مؤلف الكتاب فهو السيد محيي الدين رضا، يعمل محرراً في جريدة المقطم المصرية، وطبع هذا الكتاب بمطبعة المنار عام 1354ه - 1936م. أما الكتاب فهو عبارة عن تدوين لوقائع رحلة قام بها إلى الحجاز لتأدية فريضة الحج عام 1353ه - 1935م، وهو يتدرج ضمن كتب الرحلات التي دونها كثير ممن زاروا الأراضي المقدسة لتأدية شعيرة الحج. وقام خلالها بتسجيل رحلته وملاحظاته الشخصية ووصفه لمكةالمكرمةوالمدينةالمنورة. وقبل أن يطبع رحلته في كتاب نشرها في مقالات في جريدتي المقطم والجهاد يقول في المقدمة عن كتابه: «أما بعد فهذه فصول كتبت بعضها في الصحف قبل الرحلة والحج والزيارة وتمنيت على الله أن يسهل لي وسائل الحج، فكان كرمه عظيماً بأن سهل لي الحج والزيارة، وكتبت بعضها في أثناء الرحلة، وبعضها بعد العودة، وكلها كتبت على الطريقة الصحفية من غير تعمق في البحث والدرس». لم يبن المؤلف كتابه على أبواب وفصول كالكتب المنهجية، وإنما رتب معلوماته وفق عناوين، وكل عنوان يمثل مقالة صحفية، وأشار في نهاية كل مقالة إلى تاريخ نشرها، والصحيفة التي نشرت فيها. ويمكن تقسيم الكتاب إلى أربعة أقسام: تناول المؤلف في القسم الأول: رحلته إلى الحج من مصر، والاستعدادات التي سبقت الرحلة، ثم قضاء مناسك الحج، واستغرق ذلك من الكتاب (42 صفحة). وتناول في القسم الثاني لقاءه بالملك عبد العزيز، وأدرج ذلك تحت عنوان كبير «في حضرة الملك السعودي» وقد التقاه المؤلف في مكة، وتحدث عن شجاعة الملك وموقفه في عرفات، وتحدث عن الحجاج عامة وعن المصريين خاصة. وتحدث في القسم الثالث عن الأمير سعود «الملك سعود» والأمير فيصل النائب العام في الحجاز «الملك فيصل» ثم لقائه مع الأمير عبد الله الفيصل. وتناول في القسم الأخير: الذي وضعه تحت عنوان (في طريق الوطن) مشاهداته في الحجاز، وعن بعض الشخصيات التي قابلها كفؤاد حمزة، وعبد الله السليمان، وبزيارته المدينةالمنورة، وبعض الملحوظات التي يعلقها على ما يشاهده في أثناء إقامته وترحاله. وأسلوبه يغلب عليه طابع الأسلوب الصحفي، ويندرج ضمن كتب أدب الرحلات وما كتبه يعتبر من الكتابات الشاملة التي تتمحور في مجملها حول الحج والعمرة والزيارة وما يتعلق بذلك من طرق ومواصلات ومشاهدات وغير ذلك من الأمور التاريخية والاجتماعية والاقتصادية في ذلك العصر مما يعطي فكرة واضحة عن تطور الأحوال والأوضاع في ذلك الوقت. عضو جمعية التاريخ بجامعات دول مجلس التعاون باحث في أدب الرحلات