وكان محمد سعيد العامودي رجلاً إعلامياً يقول ما لديه من خلال رؤيته الصحفية وله برنامج (من حديث الكتب) يستعرض من خلال هذا البرنامج كتباً أدبية ومؤلفات دينية ومصنفات فكرية، تجمعها ثقافة الأديب العامودي في عروض بيانية وكتابات فصيحة وثقافات ماتعة، بلغ عدد هذه الكتب الستين ونيف، كلها لمؤلفين جيدين كعباس محمود العقاد ومحمد الغزالي ومحمد عبدالله السمان، هؤلاء وأمثالهم كتبوا في الدين والأدب والعلم فكانت ثقافتهم متفتحة وعلومهم نافعة وآدابهم رصينة، واستطاع العامودي من هذه الكتب أن يجعل للقراء ويختار لهم ما يمكنهم الوصول إلى أهداف المؤلفين وهدفه أيضاً. أما أهداف المؤلفين فهي واضحة من خلال طروحهم الموضوعية، وأما هدف العامودي هو ايجاد رؤية ثقافية للكتب التي استعرضها والتي عرضها في كتابه في أكثر من جزء. وقد استمرت إذاعة جدة والرياض في إذاعة هذه الأحاديث في فترة السبعينيات ومطلع الثمانينيات الميلادية وللأسف بعد كل هذا العدد والعدة توقف البرنامج الإذاعي هذا بسبب من المذيع الذي كان يقدمه. ونقل العامودي أحاديث كتبه إلى جريدة الندوة لتظهر كل أسبوع في ملحق الأدب والثقافة، وسار الكاتب العامودي في هذه الصحيفة مسيرته في الاذاعة، ولعل ما كتبه في هذه الصحيفة أيضاً أكثر اتساعاً وأبلغ بياناً نظراً للممارسة النظرية و الكتابية التي تأتيان من خلال ما يكتبه بقلمه على النحو المباشر. وللعامودي في الاذاعة السعودية أناشيد وطنية مثل نشيد الشباب المستمرة إذاعته حتى يومنا هذا. بالنسبة لرحلاته خارج الوطن فقد كان للعامودي زيارات ورحلات إلى كل من مصر وتونس وسوريا وإيران وذلك في الستينيات الميلادية وكان يصحبه إلى الأخيرة زميله الأديب الرائد أحمد العربي وقد مثلّ المملكة العربية السعودية في مهرجان الشاهن شاه وهي زيارة ثقافية جميلة كما وصفها لي وأثنى فيها على زميله العربي وما شاهده الأديبان وأطلعا عليه من آداب وعلوم وثقافة، أما إلى مصر فكان العامودي يرحل إليها سنوياً في فصل الصيف حيث يقضي جل شهوره هناك متصلاً بزملائه العرب أمثال أنور الجندي ومحمد رجب البيومي وعاتكة الخزرجي ووديع فلسطين وسواهم من أدباء مصر والعرب على وجه العموم، ثم ينضم إليهم من الحجاز الأستاذ/ عبدالقدوس الأنصاري حيث يلتئم الزوار والمواطنون في مجلس العامودي وغالباً ما يكون استيطانه وجلوسه في القاهرة في حي الدقي ويحضرني هنا شيء سريع وهو بيت أو بيتان شعريان للعامودي على سبيل الأدب والشعر ليس إلا وهما قوله: عيون المها بين الزمالك والدقي يصيرن كل الناس في الأسر والرق بلى أن شيخ ولكني عاشق ضعيف أمام الحسن أمنحه عشقي ومن جميل ما يعطف به على اهدائه لي كتاباً أو أكثر حينما يعود إلى مكةالمكرمة حيث كنت أزوره في داره العامرة ويتفق ذلك مع مجيء - على سبيل المثال - الشيخ علي الطنطاوي وزميله محمد القاسمي والشيخ عبدالقدوس الأنصاري والأستاذ محمد عبدالله مليباري والأستاذ أحمد علي والأستاذ محسن باروم. وكان استاذنا رقيق الحس وسريع البديهة عندما يتخاطب مع الآخرين عملياً بعلمه أدبياً بحديثه كريماً بطبعه، وهذا ما عرفته من أدب الشيخ الأستاذ/ محمد سعيد العامودي، وثمت شؤون ومواضيع كثيفة للحديث عنها مع ذكراه. وله مواقف مع بعض زملائه الأدباء والمثقفين كموقفه من بعض الانتاج الأدبي الذي كتبه عن أحداث تاريخية في الحج ونشره الأستاذ/ أحمد جمال باسمه في مجلة الفيصل وكنت رسولاً بين الأدبين في هذه الاشكالية ومعي الأستاذ/ علوي الصافي رئيس تحرير المجلة المذكورة مما اطفأ حدة التوتر بين الأدبين، وبالفعل اعتذر الأستاذ/ أحمد جمال في عدد الأربعاء من جريدة المدينة في صيف عام 1398ه - 1978م، وهو موقف أدبي وإنساني وثقافي لا ينسى للرجلين. إن العامودي رجل فكر ملتزم ولا يدعي لنفسه قيمة من القيم ولكنه يتصف بها لمن عرف إنسانيته ودينه وخلقه، ويدرك ذلك من تعامل معه حتى في أبسط الأمور في حياته الإنسانية والاجتماعية ومرد ذلك في نظري تمسكه بالقيم الحميدة والمبادئ الرشيدة كالتواضع والإيثار والتنازل المعقول في حياته وتعامله مع الآخرين، وهذا له أثره في حياته الأدبية وتفكيره الثقافي وسلوكه المعنوي مما يجعل الرجل يتأصل في هذا الانتاج والكتابة والتأليف حيث تظهر القيم والمعاني والآراء والأفكار متزنة ومتعمقة ومبسطة. ولا ريب في ذلك فالإنسان إذا سلك في الحياة سبيلاً راشداً فسينجح فيها بكل تأكيد. نظراً لاستقامة هذا الرجل ووضوح أسلوبه في حياته. أما من يسلك طرقاً ملوية وسبلاً منعرجة فلن ينجح فيما يريد وليس كذلك من نكتب عنه وإنما جئنا بالعبارة تنظيراً وليس إلا. فالعامودي رجل فاضل وكاتب جليل وأديب أصيل، ولذلك رأيناه يسلك سلوك الرواد الأماثل والرجال البواسل في حياته الأدبية والاجتماعية والثقافية والمعرفية ومن هنا كان حديث الناس عندما يرجع أحدهم إلى كتاب من كتبه وعلى سبيل المثال كتابه (من تاريخنا). وفيه فصول لا تاريخية فحسب بل فيه فصول فكرية واجتماعية وأدبية وخلقية تجعل المطلع على هذا الكتاب أو على أي كتاب آخر من كتبه مدركاً لأصالة الرجل المؤلف الإنسان الذي كتب ذلك برأي حصيف وأسلوب رصين وموضوع معقول مع سلاسة واسترسال في البيان والتأليف فهو مؤلف شامخ القدرة وقارئ بعيد النظر ومفكر جليل القدر، ولذلك قدره من عرفه وسأل عنه من جهله لكي يتعرف عليه. ولله في خلقه شؤون.