هذا اليوم لم يكن يوما جيدا لصيد الافكار التي تؤسس خاطري في الكتابة، فلم أجد فكرة واحدة تستحق الاهتمام أو يمكن الاستناد عليها في استثارة الخاطر، طالعت في الاخبار السيئة والحسنة فوجدتها تثير الغلقة في النفس أكثر من التفاعل أو التفاؤل، وقرأت بعض المقالات، فوجدت معظمها يلت ويعجن بكلام تكرر مئات المرات، هذا ينقد خدمات او سياسات وذاك يثني على إدارات وشخصيات و ثالث يستدعي التاريخ ليبكي له من سوء المآلات. كثيرة هي الافكار التي راودت مخيلتي ولكنها غثاء لم استمرئ أيا منها، و لم أستطع الخلاص منها فباتت تتقافز امامي تستجدي الاهتمام وهي به غير جديرة، ولم أستطع أن اعتذر للجزيرة عن مقالي الاسبوعي، ولم أجد من المناسب إعادة مقال سابق، لذا قررت أن اكتب عن انغلاق الذهن. كثير من الكتاب الذين يفوقونني بمراتب يواجه من حين لآخر ما يعرف (بغلقة الكتاب )، وهي ظاهرة تحدث للكاتب عندما تزدحم الافكار في ذهنه بصورة تشوش بعضها على بعض فلا يستسيغ أيا منها، فتجده يكتب سطرا او سطرين ثم لا يلبث أن يغير رأيه فيمزق ما كتب، وهكذا يفعل ذلك مرارا حتى تتملكه الحيرة والغضب، فتنقفل في ذهنه مسارات التفكير وتغيب عنه ملكة الحديث والتبرير . هذه الظاهرة معروفة لدى الكتاب، وكل يعالجها بطريقة مختلفة، فبعض يرمي الورقة والقلم بعيدا ويقول في نفسه « هذا يوم لم تقَّدر به الكتابة « و ينصرف لنشاط آخر ثم يعود في اليوم التالي لما ترك، وبعض يلجأ لتمرين خارطة المفاهيم، فيرسم افكاره على الورق ويحاول أن يجد بينها روابط، أو يلغي بعضها ببعض حتى يتكون لديه فكرة سائدة فيستخلصها ويفك بها انغلاقه، وهذا التمرين يساعد في فك الانغلاق، فكأنما الذهن يتخلص من ازدحام الافكار عندما تصبح على الورق ويصبح أكثر قدرة على الانتقاء و الالغاء او المجانسة، وبعض الكتاب يلجأ لطرق غريبة تكمن في استثارة الفكر من خلال التحدي، منها على سبيل المثال (الجدال المخالف) حيث يقصد من يخالفهم في الفكر او المعتقد ويجادلهم افكارهم بصورة عنيفة، لعل ذلك يفتح مسارات التفكير لديه حيث إن ضغط التحدي يوحد الفكر ويجانسه، وهناك دراسات سيكولوجية تتناول ( غلقة الكتاب) من منطلق الملل الذهني، فالكاتب يشعر أن ما يقول بات مملا حتى لنفسه. لذا يتخلى بعض الكتاب عن مهنة الكتابة تحت تأثير تلك الظاهرة. غلقة الكتاب ظاهرة غامضة، قد تحدث للكاتب مرة واحدة وقد تتكرركثيرا، وربما تدوم بضع ساعات او بضع سنين، وهناك من الكتاب الذي تركوا الكتابة المحترفة للأبد بسببها، لذا ارجو ان تكون غلقتي طارئة، وأعود لكتابة موضوع يستثير اهتمامي حتى اثير اهتمام القراء، فالكاتب في نظري مثل قائد الفرقة الموسيقية يستثير اذهان القراء لتنتج الافكار التي تهمهم. [email protected] Twitter @mmabalkhail