عزمت أن لا أكتب هذه السنة حول اليوم الوطني، فمجاله مزدحم والمناسبة تستلزم حديث اعتاد الناس عليه من كل الكتاب، ولكن خطر في بالي خاطر، عندما قرأت عبارة تنسب للرئيس الأمريكي الراحل جون كنيدي، يقال إنه اقتبسها من عبارة لجبران خليل جبران وترجمتها «لا تسأل وطنك عما تستحق ولكن اسأل نفسك عما يستحق وطنك منك». لم تستثر العبارة بحد ذاتها خاطرتي، ولكن ما استثارني هو الفكر المحفز لهذا التعبير، فالوطنية في المفهوم المعتاد، هي الإخلاص في حب البلاد والتفاني في حمايتها والذود عنها في قالب نرجسي تذوب فيه الذات بالوطن، ولكن الفكر الذي سأتحدث عنه ينظر للوطنية من منظار المصلحة الذاتية، وهو المنظار الذي تأصل في أمريكا حيث معظم أهلها مهاجرون أو أبناء مهاجرين تركوا نرجسية الولاء لبلدانهم الأصلية تحت ضغط الحاجة والمصلحة وقدموا لأمريكا وتأسس لديهم مفهوم جديد للوطن والوطنية وهو ما ترسخ في الدستور الأمريكي ومعظم القوانين التطبيقية، وبلور ما عرف «بالحلم الأمريكي» والذي كان يدفع مزيدا من المهاجرين لها. هذا المفهوم للوطنية هو الذي جعل الرئيس الأمريكي يقول عبارته المشهورة، فكما لو كان يقول « إن ما يستحقه المواطن الأمريكي من أمريكا هو مثبت ومعروف ومضمون في الدستور والقانون، ولكن ما تستحقه أمريكا الوطن من الأمريكيين موضوع غير محسوم ومتروك لاجتهاد كل فرد « لذا فالعبارة محفزة للأمريكيين ليفكروا في كيف يساهم الفرد الأمريكي في بناء مجد وطنه. ومنذ ذلك اليوم التي قيلت فيه العبارة أصبحت ملهمة للشعب الأمريكي في مزج مفهوم وطنية المصلحة ووطنية الانتماء. في يومنا الوطني تسمو نرجسيتنا فوق كل شعور، وتصبح الوطنية عشق وهيام بالذات الوطنية، وتخضر كل الجرائد وربما يخضر بعض الناس أيضا، ويتبارى الكتاب والإعلاميين في نسق عبارات تصف ذلك العشق للوطن، ولكن بعد أن ينقضي ذلك اليوم الحافل يعود كل إلى خدره ومهجعه، وتستمر الحياة بعد ذلك اليوم كما لم يمر يوم مثله، هذا الأمر أيضا أثار خاطري، وجعلني أفكر، هل ما نستحق من وطننا أمرا محسوما ومعروفا ومضمونا؟ وهل ما يستحق وطننا منا أمرا معلوما بصورة راسخة في الأذهان؟. الواقع المشاهد أن هذا الأمر غير محسوم بصورة تجعلنا نكف عن التساؤل حوله، نعم هناك مفهوم أو مفاهيم متجانسة حول معنى المواطنة ولكن ليس هناك توثيق متفق عليه يصف علاقة المواطن بالوطن، نتكلم كثيرا عن الوطنية، ويثار أن الوطنية تزيد وتنقص ولكن، هناك غموض في مفهوم الوطنية لدى كثير من الناس، وعلى الرغم من ذكرها في كل محفل وجدال، فلا الحوار الوطني ولا إستراتيجية التعليم تطرقت للتعبير عن علاقة المواطن بالوطن بصورة يفهمها الجميع، فكل حديثهم عن الوطنية يأخذ طابعا نرجسيا طوباويا، يزيد من غموض المفهوم. لذا نحن بحاجة لعبارة تماثل عبارة الرئيس الأمريكي، تحفز الناس لتكوين مفهوم واضح للوطنية وحتى تكون العبارة أزلية التأثير لابد أن تكون مبنية على إدراك واضح لحقوقية العلاقة بين الوطن وأهله، وهذا يستلزم العمل على وضع أسس تلك العلاقة، إن لم نفعل ذلك سيستمر اليوم الوطني يمر دون أن يترك أثرا في النفوس، وإن كان يوما ليس كباقي الأيام. [email protected] Twitter @mmabalkhail