تغيب عنك وجوه.. يأخذها طوفان الحياة.. تقصيها ضرورات المعاش.. تجدها فجأة بين أوراقك.. في ثنايا سيرتك.. في مجرى تفكيرك.. عند مرساة خاطرك.. تحادثها، تتوقع أنها لا تسمعك.. فجأة يسقط بين يديك، حين تتلبس حالة الحضور الفجائي.. تجدها خلف أسلاك هاتفك.. صوتها يتهدج شوقا إليك.. أو خلف بابك ما إن تفتحه، تكون التي طرقته.. تهيمن عليك دهشة وابقة، تحتويك في بوتقتها.. أو تنام بطعم عذوبة تذكرها، فإذا هي في منامك.. تتحرك في حكاية وامضة، أو فائضة.. تستيقظ وقد غمرتك السعادة.. غريبة هي الحياة تبعد الأقارب، والمعارف، والأصدقاء، والأخلاء.. ثم تعيدهم حياة أخرى في الباطن.. فأمر العقل، وما فيه، والنفس وما تُكنُّه.. أمران عجيبان، غريبان.. لهما طرقات، وأنفاس.. وأصداء وطيوف.. دهشاتك التي تصيب حسك، ومخيلتك.. تذهب بك صوب السماء.. حيث هناك الخالق الخلاق.. البارئ الفعال.. من يُبعِد الآخر، والشيء عنك، ويقربهما منك.. من يهب لك القدرة على الإحساس، والاستحضار.. من يُلجم فيك المخيلة، ويصفد أبوابها.. أو يشرعها ويلهمها أسبابها.. فمن يغيب عنك، ويحضر.. أو يحضر، ويبعد.. وتستلهم فيحضر.. كلها شؤون خارجة عنك، مع أنها منك.. تضعك فوق كفك الصغير.. تجعلك ترى نفسك فيك كما ترى الأرض الشاسعة..، والبحور الواسعة..، من نافذة الطائرة وقد صغُرت صغُرت.. فتعلم أن لا شيء بيمينك.. ولا أمر لك.. كل فعل منك واستجابته، وكل استجابة فيك، أو خارجة عنك، وأثرها..، إنما هو من صنع الله تعالى.. هكذا أنت مع نفسك أيضا.. تحضر معها.. وتغيب عنها.. كما مع غيرك.. حين تشدك الحياة بغرورها، وغواياتها.. فتبعدُ عنك ذاتك..، وتقرب أنت من حقيقتك..، فتبعد عنها.. فأمر القرب، والبعد، زمنا، أو مكانا.. مرهون بعلاقتك بالآخر، وإن كان أنت، في ذاتك أنت.. أو غيرك، القريب منك، أو البعيد عنك.. زمانا ومكانا.. وإن لم يكن أنت..! لك ذاكرة هي صندوقك..، وبوابتك..، ودفترك وقرطاسك.. ولك لحظات تدهشك كثيرا.. ولا تملك سرها أبدا..!! عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855