يعرف كل من ينتمي ويعمل في المعارضة السياسية أن تعدد وجهات النظر واختلاف المواقف السياسية لا يضعفان المعارضة بل يُعَدّان عامل قوة إن لم يصلا إلى الهدف الأساسي لتلك المعارضة؛ فتعدد الاجتهادات واختلاف الرؤى يثريان الهدف من خلال تعددية، يُفترض أن تلغي النزعة التسلطية، ودكتاتورية اللون السياسي الواحد؛ فالمعارضة السياسية نضالها في مواجهة الدكتاتورية والحكم الشمولي التسلطي؛ ولا يمكن أن تستنسخ النظام السياسي الذي ناضلت من أجل إنهائه والقضاء عليه، ولهذا فإن التعددية السياسية وتنوُّع مواقف أطرافها وفصائلها وقادتها السياسيين شهادة على حسن عمل هذه المعارضة، خاصة إذا ما ظلت دائرة الاختلافات في البحث عن الأفضل وعدم الارتهان لقوى خارجية، لا تسعى إلى تحقيق أهداف المعارضة إلا بما يتطابق مع أجندتها وما يتوافق مع مصالحها.. وهكذا فإن التعددية في المواقف السياسية وتنوع الرؤى يعدَّان قوة للمعارضة. هذا في العمل السياسي، أما في العمل العسكري فإنه بقدر ما تكون التعددية سياسياً مصدر قوة، وتنوع الرؤى يضيف مساحة أوسع للاجتهادات، فإنه في العمل العسكري يكون على عكس من ذلك تماماً، خاصة إذا ما تعددت الفصائل العسكرية، وتبنت قياداتها مواقف سياسية متعارضة، عندها يصبح العمل العسكري عامل فُرقة، وخطورته تقضي على التنوع واجتهادات الرؤى، وبخاصة إذا ما لجأت إلى السلاح لفرض تلك الرؤى. هذا الوضع في الموقفين السياسي والعسكري بدأت تدخل فيه الثورة السورية، التي تسير إلى الحالة المرتبكة نفسها التي أضعفت الثورة الفلسطينية، التي أدى تناحر فصائلها السياسية إلى استحداث أذرع عسكرية، وأصلوها إلى مواجهات عسكرية أضعفت الكثير من الثورة، وأبعدتها عن هدفها. الثورة السورية حتى الآن لم تصل إلى تفريخ أذرع عسكرية للتكوينات السياسية، فلا المجلس الوطني السوري له ذراع عسكرية، ولا تنسيقات الثورة ولا أمناء الثورة الذي شكله هيثم المالح ولا التنظيمات السياسية لها امتدادات عسكرية في الداخل؛ كون معظم المعارضة السياسية السورية تعمل من خارج سوريا، في حين تمارس الألوية والكتائب العسكرية عملها في الداخل، إلا أن الخطورة التي بدأ المراقبون يرصدونها هي ظهور أكثر من تنظيم مسلح في الداخل؛ فإضافة إلى تشكيلات الجيش السوري الحر ظهر تشكيل جديد تحت اسم الجيش الوطني، إضافة إلى التشكيلات المحلية؛ فهناك فصائل مقاتلة في دمشق وريفها، وأخرى في الشمال، وفي حلب ودير الزور ودرعا، وهذا جعل من يفكر في دعم المعارضة العسكرية يتردد في إرسال الأسلحة لهم خوفاً من أن يُستعمل السلاح المرسل للقتال فيما بينهم بعد رحيل نظام الأسد، مثلما حصل ويحصل الآن في ليبيا؛ إذ إن السياسيين وإن تنوعت آراؤهم واختلفت مواقفهم فإنهم يحلون تلك الخلافات عبر الحوار واللقاءات، أما العسكريون فيلجؤون للسلاح؛ لإلغاء الآخر، وعادة ما تنتهي خلافاتهم بالقتل. [email protected]