تنشط في الميدان السوري مجموعة حركات وفصائل تعمل بعيداً عن الضوء. قوام هذه الحركات رجال أعمال واقتصاديين ذو توجّهٍ إسلامي معتدل، يعملون بصمت باذلين قصارى جهدهم في سبيل الثورة السورية الهادفة إلى إسقاط نظام القمع والاستبداد. يعاني هؤلاء التهميش الإعلامي مقارنة بالتضخيم الذي تناله شخصيات معارضة ممن لا تملك حيثية ميدانية. إزاء ذلك، يفقد هؤلاء جزءاً كبيراً من حيثية سياسية ما قد يوفّرها الإعلام لهم، ويخسرون معها الموقع الوازن دولياً الذي يتناسب مع ما يُمثِّلون شعبياً. إحدى هذه المجموعات هي حركة الرديف الثوري بجناحيها السياسي والعسكري. فمكوّنات الأوّل عبارة خليط من نُخب ثقافية قوامها أطباء ومحامين وتجار وأصحاب منشآت اقتصادية. انخرط هؤلاء في صفوف الثورة، فسُجن منهم الكثير أما الباقون فينشطون في دعم الثوار بالمال والسلاح والمواد الغذائية والطبية. ويبذلون ما أمكن لتقديم المساعدة. التقت “الشرق” بعضاً من هؤلاء للوقوف على مشروعهم ونشاطهم. يأخذ قياديين في حركة الرديف الثوري التي يتبع لها لواء رجال الله على بعض الشخصيات المعارضة ارتهانهم للخارج. ويستنكرون هيمنة القوى الخارجية على هذه الشخصيات التي تطرح نفسها بديلاً عن النظام، علماً أنها بعيدة عن الأرض السورية منذ أكثر من عشرين عاماً. فيرون أن ذلك يفقدهم حرية القرار، بعكس النشطاء المعارضين الذي يعيشون الثورة ويشتمّون رائحة الدماء الزكية التي تسقط يومياً لتروي ثورة سوريا المطالبة بالحرية. ورغم أن أعضاء الحركة يُفضّلون عدم الكشف عن أسمائهم خشية ملاحقة النظام لعائلاتهم، يعرضون مشروعاً يقولون إنه متكامل عن “سوريا في مرحلة ما بعد الأسد”. فهناك وثيقة تشدد على ضرورة إدارة حوار عاقل بين مختلف فصائل الثورة على أرض الواقع لتوحيد الموقف في وجه النظام الذي بدأ يترنّح أمام الضربات. مسألة أخرى يركزون عليها وهي تنظيم جهود المجموعات والفصائل المسلّحة وضبط إدائها بما يتناسب مع أهداف الثورة. إذ يرون أن مهمة القوى الثورية حماية القيادة الاجتماعية لكسب المزيد إلى صفوفها. ويقرنون ذلك بواجب الحذر ومنع وقوع التجاوزات بشرط تأمين المصالح والحاجات الضرورية لأبناء المناطق المحررة. كما تؤكد الوثيقة على واجب تلبية حاجات الجرحى والمطاردين والبحث في آليات تأمينهم. في وثيقة حركة الرديف الثوري، يعتبر المجلس السياسي أن التدخلات الخارجية أدت إلى مزيد من الأزمات، لا سيما أنها صادرت القرار السوري لوضعه على طاولة التفاوض مع النظام نفسه. وتنطلق الحركة من ثابتة أن التجارب الثورية التاريخية شهدت على تلازم العمل المسلّح مع العمل السياسي. والثابتة هذه تشير إلى أن وظيفة السلاح تأمين الشروط السياسية لإدارة الحوار الناجح لتحقيق المصالح والشعارات. كذلك تعتبر أن الثورة لم تبدأ تنفيذاً لقرارات الدول، ولا بدأت بمبادرة من المعارضة الخارجية وشخصياتها، بل أطلقها الشباب السوري في المدن والبلدات السورية. انطلاقاً من هنا، يرى أعضاء حركة الرديف أن واجبهم يحتم عليهم استرجاع قرار الثورة من بازارات الإرتهان والمتاجرة. كما يرفضون الحديث عن شعارات إقامة إمارات إسلامية يحترب أمراؤها ويتنازعون على مصالحهم الشخصية، رافضين أي شكل من أشكال الارتباط الخارجي، إذ يجب أن تعود الثورة إلى أصالتها. وفي المستجدات الحالية، تدعم حركة الرديف الثوري مبادرة أنان، مؤكدة أنها على استعداد لقيادة حوار بين فصائل القوى الثورية والمسلحين في الميدان لتوحيد الجهود ضد نظام الأسد، علماً أن العرض يستند إلى قدرة ميدانية قادرة على قيادة هذه المجموعات. أما مسألة خطف اللبنانيين، فترفضها جملة وتفصيلاً باعتبارها تسيء إلى الثورة وليس فيها مثقال ذرة فائدة باستثناء ما يمكن أن تؤديها من دور فتنة بين شعبي لبنان وسوريا. بموازاة ذلك، يكشف قيادي في الحركة أنهم راسلوا الأممالمتحدة ليقوموا بإدخال المساعدات الطبية والمواد الغذائية برفقة المراقبين، لكنهم لم يلقوا آذاناً صاغية حتى الآن. (خلال الأيام المقبلة، ستنشر “الشرق” تحقيقاً مصوّراً مع قيادات في حركة الرديف الثوري وقيادات الكتائب المقاتلة التابعة لها). الشرق | بيروت