تاريخ الإنسان هو الذي يَحكمُ عليه، فإذا أردتَّ أن تعرفَ شخصًا فانظر إلى تاريخه، بقراءة سيرتِه ومَسيرته، ولا تتسرَّع بالحُكم عليه من موقفٍ عابر رأيتَه منه، ولا مما يقوله الناسُ عنه؛ ففي الناس حاسدٌ وشامت ومُبغض. فكم مرَّ في حياتنا أناسٌ وجدناهم على خلاف ما يقوله الناسُ عنهم بعد أن تعاملنا معهم، وتقرَّبنا منهم، وخَبَرنا فَعالهم. فأجملُ ما في التاريخ أنه لا يُنسى، وفي ذات الوقت لا يرحم؛ فكم كشفَ لنا من مستور، وأبدى لنا زيفَ متصنِّع، وخيانةً متدثِّرة بالوفاء، وكم من حقيقة كنَّا مؤمنين بها، ونختزنها في عقولنا ممتزجةً بنبض قلوبنا، فيكشف لنا التاريخُ أننا كنَّا نتبنَّى خُرافةً، وقد أمضَينا جزءًا من عمرنا نتَّبع سرابًا! إن هذه الحالة تنطبق على الكثير من أهل زماننا؛ ومن واقع مُعايشتنا للمتغيِّرات التي يمرُّ بها مجتمعُنا، مطلوبٌ من كلِّ واحد منَّا أن يبدأ بعمليةِ فرزٍ عقلانية منطقيَّة لكلِّ ما يدور من حوله من أُناسٍ وأشياء. فكلُّ الأمم يحفِلُ تاريخُها بعلامات بارزة على طريقِ مَسيرتها، تظلُّ عالقةً في حياة الأفراد والجماعات، تمثِّلُ الدفعَ القويَّ للاقتداء والعبرة. والتاريخ يخلِّد اثنين: الأول: إنسانٌ زرع محبَّته في قلوب الناس، فأنبتت خُزامى الذِّكر الحسن، ونجومَ شرفٍ وعزة يُزيَّن بها جبينُه. والثاني: إنسانٌ غرس أشجارَ الكراهية في قلوب الناس، فأنبتت البغضاءَ والحقد، وثمرَ الذِّكر المَشين. نعم.. هذان الاثنان خالدان، ولكن شتَّان بين خلودٍ وخلود! فلنكن جميعًا من الصِّنف الأول؛لأننا في النهاية نعبِّر عن تربيتنا وبيئتنا ونمثِّل بلدَنا من خلال جنسيَّة نحملها، ومَسيرة جعلت من بلدنا آمنًا متطوِّرًا، تُغني جيلَ اليوم بثراء التجرِبة؛ صدقًا وشجاعةً.. أمنيَّة أبثُّها لكلِّ الأحبَّة دون حساب أو تحديد، فهل نستجيبُ لها؟!