ونسيتُ الشرفة والأبواب نسيتُ الضوء ولم أنسَ النغماتِ الأولى.. لثغةَ طفلٍ يفهمُ أنَّ الصوتَ حلالٌ حينَ يكونُ الصمتُ حراما يفهمُ أنَّ الضوءَ سماءٌ حينَ تكونُ الأرضُ ظلاما..) المقطع مقتطف من قصيدة لي بعنوان (صوت الشوارع) منشورة ضمن قصائد ديوان (التداخلات) الصادر عام 1999 وسبق أن اقتطفتُ هذا المقطع لأضعه أيضاً ضمن المقدمة المعنونة (كلمات على المرآة) التي صدّرتُ بها ديواني الأخير (حوار الليل ونجمة الصبح) الصادر عام 2011 وقد كتب الشاعر والناقد اليمني القدير د. عبد العزيز المقالح مقالة مطولة عن ذلك الديوان نشرت في صحيفة الحياة (الطبعة الدولية) بتاريخ الخميس 16 يونيو 2011 قرأتها في حينها وسعدتُ بها من دون أن أنتبه إلى الخطأ الحاصل في حرف واحد من السطر الشعريّ المنقول (حين يكون الصمتُ حراما) إذ صارت الميمُ واواً فأصبح الصوتُ صمتاً وباتت الجملة (حين يكون الصوتُ حراما) وذلك ما لم أنتبه إليه إلاّ مؤخراً، وبعد مجهود استثنائيّ طويل من البحث (!) لماذا..؟ وصلني من صديق عربيّ يقيم في الصين، أنه رأى في مجلة صينية ترجمة لمقاطع مختارة من قصائد عربية، لعدد من الشعراء العرب، وأنني من بين من ترجمت لهم المجلة بعض المقاطع الشعرية إلى اللغة الصينية، وقد أرسل لي مشكوراً صورة لصفحة المجلة التي تضمنت أربعة مقاطع لي من أربع قصائد كان من بينها المقطع المذكور.. طبعاً أنا لم أستطع قراءة حرف واحد من الرسوم المدهشة للحروف الصينية، غير أننا في زمن التصفح الإلكتروني نستطيع بشيء من الجهد والذكاء الوصول إلى ما نريد(!) فقد استعنتُ بالعبقريّ الموسوعيّ (قوقل) فعثرتُ على الترجمة الفورية للنصوص، من الصينية إلى العربية، وقد فجعتُ حين رأيت المترجم يعطيني كلمة (الصوت) مكررة في الشطرين: (يفهم أن الصوتَ حلالٌ حين يكون الصوتُ حراما)؟؟ بينما الصحيح: (حين يكون الصمتُ حراما)! فعدتُ أوّلَ ما عدتُ إلى ديوان التداخلات، في طبعته الأولى الصادرة عن مؤسسة إصدارات النخيل، ثم إليه في طبعته الثانية الصادرة عن دار الفارابي، فلم أجد الخطأ في الطبعتين، وكنتُ ناسياً استشهادي بذلك المقطع في مقدمتي لديوان (حوار الليل ونجمة الصبح)، ثم تذكرته فعدتُ إليه فلم أجد الخطأ أيضاً، حتى ظننتُ أن الصينيين - المعروفين بالدقة المتناهية في النقل والاستنساخ! - قد أخطأوا في ترجمة قصيدتي.. بعد هذا الظن (الآثم) عدتُ مرة أخرى للاستعانة بصديق الجميع (قوقل) فوضعتُ الجملة الخطأ (حين يكون الصوت حراما) فاتضح لي أنها ضمن مقالة الدكتور عبد العزيز المقالح المنشورة في الحياة، عن الديوان الأخير - فقد توقف عند المقدمة طويلاً ونقل فقرات منها - وقد نقلها المترجمُ الصينيُّ كما وردت في مقالة المقالح! خلاصة القول: إن اسماً كبيراً مثل عبد العزيز المقالح حين يكتب عن ديوان وينقل مقتطفات منه، فإن كتابته يتناقلها العالم بمختلف لغاته ويكون الاقتطاف منها أكثر فخامة ومصداقية وبعداً، ويبدو لي أنني سأظلم الدكتور المقالح إن ظننتُ أن الخطأ كان منه بالأساس في نقل الجملة، فلا أظن أديباً قديراً مثله من الممكن أن يهمل الفرق المضاد بين مفردتيْ (الصمت) و(الصوت) بل قد يكون – وهذا المرجح عندي – أن الخطأ من الجريدة (الحياة) فلي تجارب ماضية مع أخطاء مطبعية كثيرة حدثت لما كنتُ أنشره فيها، كما يحدث مع غيرها من الصحف أيضاً، بخاصة حين يستخدم الكاتب الفاكس في إرسال مادته للجريدة مما يعني تعرضها لأخطاء أثناء نقلها من الورق، وربما الدكتور المقالح ممن لا يزالون يفضلون الكتابة على الورق وترك مهمة نقلها إلى الكمبيوتر على الجريدة (أقول ربما، ولستُ متأكداً) ولكنّ المؤكد أن الخطأ حين يكون في مقالة موقعة باسم كبير كالمقالح فإنه يلفُّ العالم حتى يصل إلى (الصين) مترجماً، ومن ثم يعود إلى من يعنيه الأمر..! [email protected]