بادئ ذي بدء أحب أن أستهل مقالتي هذه بآية كريمة بل بآيات كريمات هن من معاريف وحي الله الطاهر القرآن الكريم فاسمعوا إلى قوله تعالى (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً), وقال تعالى (وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) إن الاعتصام بعرى الوحدة الوطنية بات اليوم من مسلمات العيش في أمن واطمئنان، ولعلي لا أجانب الصواب إذا قلت إن الوحدة الوطنية أصبحت يعز وجودها اليوم في منظومة هذا النسق الدولي الرحب، ومع ذلك كله فإن مبدأ الوحدة الوطنية عندنا نحن شعب المملكة العربية السعودية هو مبدأ مؤصل منذ أن أوجد هذا الكيان على يد المؤسس رحمه الله الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود وأن أواصر الوحدة الوطنية تضرب أطنابها في العمق السياسي والاجتماعي والاقتصادي عندنا فنحن اليوم ولله الحمد شعب يُثمن مبدأ الوحدة الوطنية، وقد تناقلت الأجيال جيلا بعد جيل مبادئ هذه الوحدة فكل مكتسب ديني وحضاري واقتصادي واجتماعي هو من نتاج مبدأ الوحدة واللحمة الوطنية - يا لنا من شعب محظوظ نقطف ثمار هذه الوحدة ونتفيأ ظلالها آناء الليل وأطراف النهار فما أحوجنا اليوم والفتن تتلاطم من حولنا أن نتشبث بعرى الوحدة والوئام وأن نتمسك بعراها ما أمكننا إلى ذلك سبيلاً - فمتى انفصلت عراها لا سمح الله عشنا في بؤس وضياع، إذا علينا جميعا أن ندرك وأن نثمن أهمية الوحدة الوطنية، ومما هو خليق بنا ونحن نتصفح كتاب ربنا صباح مساء أن نعلم أن ديننا الحنيف ذهب يحثنا على الاعتصام والتوحد وعدم التمزق والتشرذم فيكون لزاما علينا ونحن نعيش ونرى غيرنا أهلكته دياجير الهوى ونزعات التيه والضلال أن نمسك بأطناب الوحدة الوطنية، فما من خير إلا وهو تحت سمائها، وما من شر إلا هو خارج أسوارها، إذا من هذا وذاك يجب علينا جميعا أن ننسى كل شيء يمزق صفنا ويذيب لحمتنا فما أحرانا اليوم أن نمسك بتلك القواسم المشتركة بيننا وما أكثرها وأن نطوح بعيدا بتلك الأشياء التي تفضي وتنداح بنا عن دائرة الوحدة والوئام، إننا ولله الحمد بهذه البلاد العزيزة ندين بدين واحد ونتكلم بلسان لغة واحدة وننهل من معين واحد لا ينضب ألا وهو كتاالله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إذا من الواجب علينا والحالة هذه أن نغض الطرف عن كل شيء يميع وحدتنا ويشق صفنا ويمزق لحمتنا. إن شرعنا الطاهر طافح بنصوص كثيرة لا يتسع المقام لذكرها هنا وإن تلك النصوص والآثار تحثنا على الوحدة والصف الواحد، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- (إياكم والحالقة لا أقول حالقة الشعر ولكن حالقة الدين ألا وهي إفساد ذات البين) يا له من حديث شريف يرشد الأمة إلى مدخلات هامة ينبثق منها مخرجات عظيمة تدلف بالأمة إلى أفق أرحب وإلى ناتج حضاري لا يراهن عليه فمن تمسك بأطناب هذا الحديث نال درجة السبق وله الكعب العالي في جميع مضامير الحياة ليس في مضمار دون مضمار، إذاً إن ترسيخ مبدأ الوحدة الوطنية بين أفراد هذا الشعب هو ضرورة دينية ودنيوية، وقبل هذا وذاك فيه رضى رب العالمين عنها، إن للوحدة الوطنية ولاة أمر يقيمون حدودها ويذودون عنها بكل ما يملكون من غال ونفيس، فيجب علينا السمع والطاعة لهم في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا، فحتى نجني ثمار هذه الوحدة فإنه لزاما علينا أن يكون لهذه الوحدة ولاة أمر يقومون على حماية بيضة هذه الوحدة مع شعب نبيل كريم، إن ولاة أمرنا في هذه البلاد نحمد الله تعالى أنهم من خيرة الناس فلهم مجد مؤثل ومحتد طيب ونبل وأخلاق عالية.