إننا نسمع ونرى ما يحيط بنا من أزمات دولية وفتن إقليمية، ونحن بين دول هذا النسق الدولي الرحب نعيش في أمن وارف ونعمة مدرار، كل ما تحت أيدينا من نِعم نتقلّب بها آناء الليل وأطراف النهار كل هذا بسبب أننا نتلو آيات ربنا ونأتمر بأمره وننتهي عن ما نهى الله عنه هذا أولاً، وثانياً أننا نعيش تحت مظلة ولاة أمرٍ يسهرون على راحتنا فجلبوا لنا ما تحت أديم السماء فجعلوه في متناول أيدينا فلو علموا أن في الثريا خيراً لجلبوه لنا، وولاة أمرنا منذ عهد المؤسس - طيَّب الله ثراه وجعل جنة عدن مثواه - نذروا أنفسهم لخدمة دين الله وخدمة من يدين به فلهم منا أجزل الشكر والعرفان فيشيب الغراب ولا يشيب ولاؤنا لهم - إن شاء الله تعالى -.. إن ما نحن فيه يحتاج إلى شيء واحد ألا وهو الشكر لله على ترادف نعمه ثم الشكر موصول لولاة أمرنا الذين يسرهم ما يسرنا ويؤلمهم ما يؤلمنا فهم يد حانية وظل ظليل ودوحة غنَّاء نستريح فيها لا أقول من تعب أو نَصَب، بل نستريح تحتها لندعو الله لمن حُرموا ما نحن فيه من النعم والأمن الوارف، إني في الأمس القريب أتحدث مع والدي - رحمة الله عليه - وكان حديثنا أنا ووالدي أن هذه الأسرة المباركة أنهم من خيارنا وأنهم خيارنا الوحيد فهم كسوا العاري وأطعموا الجائع وسقوا العطشان ليس في بلدنا فحسب، بل خيرهم وصل إلى أصقاع المعمورة فيقول والدي - رحمة الله عليه - على رسلك يا ولدي أأنتم تعرفوننا بمكارم هذه الأسرة الكريمة فما خفي عليكم في الماضي وما غاب عنكم اليوم هو أكبر مما تعهدونه، إننا اليوم لا نعرف مقدار النعمة التي نحن فيها إلا إذا قارنا أنفسنا بغيرنا لوجدنا أننا نعيش في نعمة وأمن مستتب، والشمس لا يعرف قدرها الشخص حتى تغيب عنه لا غيَّب الله شمس ولاة أمرنا ولا غيَّب نِعماً نرتع فيها، إذا أردتم أن تعرفوا ما نحن عليه مواطني الأعزاء فانظروا يميناً وشمالاً إلى أحوال غيركم من الأمم والشعوب نرجو من الله العلي القدير أن يرفع عنهم كل سوء ومكروه، وأن لا يحل بنا ما حلَّ بساحتهم، إن ما نحن فيه قد لا يعيه غر صغير، ولا جاهل أرعن، ولا سفيه طائش رأيه لم يجرب أحوال الدنيا، فهو عاش في نعيم وحسبَ أن الحالة التي فيها أن هذه هي الدنيا وهذا شأنها. إننا ولله الحمد لا نسمع صوتاً يكدر علينا صفو حياتنا إلا صوت الحق حينما يُنادى به في أرجاء بلادنا العزيزة، فلا نسمع أزيز طائرة ولا دويّ مدفع ولا فرقعة قنابل ألسنا والحالةهذه نعيش جنة الدنيا وإن شاء الله لنا جنة الآخرة، وإننا إن شاء الله سنكافئ ولاة أمرنا وتراب وطننا بأن نكون على قلب رجل واحد - ما يفرح جنوب بلادنا يسر شماله وما يترح غرب بلادنا يستاء له شرق البلاد إننا ولله الحمد لُحمة واحدة ولن تعرف أيدينا إلا راية واحدة دمغ عليها وطبع شهادة الكون (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) راية يرفعها سواعد أبناء هذا الوطن جيلاً بعد جيل إلى أن يرث الله السموات والأرض ومن عليها.. إننا لن نبيع الطيب ونشتري الخبيث ما بقي لنا نفس في هذه الحياة، إننا إذا أردنا أن يستقيم أمرنا فيجب علينا أن نوجد لنا ظهوراً تركع لله وجباهاً تسجد له وندعوه سبحانه بأن يهيئ لنا من أمرنا رشداً فإن الله تعالى قد تكفل بالمزيد لمن شكره قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ...} (7) إبراهيم.. فبطاعة الله تعالى تُستجلب النعم وتُرفع النقم قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ....} (96) سورة الأعراف.. إن ما تحت أيدينا من ثروات هو أنه كان بالأمس لنا آباء رُكع وأمهات سُجد يرفعون أكف الضراعة بأن يحمي الله بلادنا من كيد الكائد وحسد الحاسد.. نعم إن دعواتهم جلبت لنا ما نحن عليه ولكن هذا مرهون بقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (53) سورة الأنفال.. إن الله تعالى قد تكفل لمن يعبده بمقومات حياة خالدة ملؤها الفرح والسرور قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا....} (55) سورة النور.. إن كثيراً من الناس يعتقدون أن عبادة الله وحده هي طقوس ظاهرة تفضي بهم إلى ما يريدون!! إذا كان هذا هو الهدف من عبادة الله وحده فيجب علينا أن لا ننسى أن هناك عبادة باطنة هي أعلى مكاناً عند الله تعالى وأثقل وزناً.. فالتكافل الاجتماعي بيننا ورحمة الضعيف ونصرة المظلوم ورحمة اليتيم هي من مبادئ الإسلام الخالدة، فكمايوجد عبادات منظورة فإنه يوجد عبادات غير منظورة هي أسمى عند الله تعالى لأنها هي العبادة الخالصة، إذن فكما أن للإسلام مدخلات منظورة وغير منظورة فإن له بنفس الوقت مخرجات منظورة وغير منظورة، فإن العالم الغربي ولا سيما الغرب المتقدم وعى وثمَّن حقيقة الوئام واللُحمة الوطنية بعدما جرّ أرتالاً من مشاكل الفرقة والتشرذم، فهذا أحد رؤساء الولاياتالمتحدةالأمريكية أظنه إن لم تخني الذاكرة «إبراهام» قال ذات يوم وهو يجتمع بالكونغرس قال: (إن العالم يحلم ويتمنى أن يكون لنا - نحن أمريكا - خمسون راية في أروقة الأممالمتحدة ولكن هيهات لهم ذلك) إن ديننا الإسلامي يقفز فوق مقولة هذا الرئيس ويعلم أن الوحدة والوئام هما من مسلّمات العيش الرغيد قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} (103) سورة آل عمران.. وقال تعالى: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (46) سورة الأنفال.. إننا نعيش في هذا البلد العزيز وقد قيَّض الله لنا ولاة أمر يحتضنوننا كما تحتضن الأم وليدها، فكم من مرة أخذت القلم والقرطاس لأكتب في سيرة ومسيرة قائد نهضتنا مولاي وسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - وسربل عليه لباس الصحة والعافية وتوّجه الله تاجها إلا أني أحجم مخافة أن أقع في فخ التزلف والنفاق، ولكن وأيم الله إن من واجبي وواجب كل منصف ترتسم الحقيقة على شفتيه وهذا الواجب هو مطلب ديني وأخلاقي يحتم على من عرف سيرة هذا الرجل إلا أن يقول فيها شيئاً، فخادم الحرمين الشريفين يملك طوية صادقة أجزم واثقاً - بإذن العلي القدير - أن يعبر بها جسري الدنيا والآخرة، فهذا الملك يتحلى بأروع صور التواضع ضارباً أروع الأمثال فيها.. إني حين أقول مثل هذا الكلام فإني أتعبد الله به فلا أرجو إلا المثوبة في الدار الآخرة من قولي الحق ليس إلا.. إن جميع أفراد الشعب السعودي على مختلف شرائحه يكنون لمولاي الود والإخلاص، لأنه استشعر المسؤولية الملقاة على ظهره لا أقول المسؤولية المنبثقة من همّه لشعبه فقط، بل تلك المسؤولية التي تحمَّلها للإنسانية أجمع فلا غرو في ذلك، فالله تعالى يقول في وحيه الطاهر: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} (96) سورة مرم.. إن دموع الرجال عزيزة، وإن سكْبها لا يأتي إلا عن موقف يستشعره الإنسان.. فكم من مرة سالت مدامعي حينما أسمع حديثاً لهذا المليك وهو يخرج من سويداء قلبه فيقع في قلوب محبيه، إني أنسى ولكني إن نسيت فلن أنسى ذلك الموقف النبيل من مولاي حينما قدم له ذات يوم أبناء شهداء الواجب فسالت دموعه من محاجر عينيه شفقة عليهم، على رسلك مولاي إن فقدوا عزيزاً فأنت عوضه، ولن يجدوا أدفأ منك جانباً، إني حينما أشهد هذا الموقف فإني أذهب بعيداً في أغوار التاريخ الإسلامي، وأتذكر أولئك الخلفاء الذين يثمِّنون ما يلقى على عواتقهم من مسؤولية تجاه أممهم.. أبناء وطني الأعزاء أي مكسب تريدون؟ وأي عطاء تريدون؟ وأي رحمة تريدون أكثر من هذا؟؟.. ختاماً أبناء وطني الأعزاء قيدوا أقصى النعم بشكر أدناها.