منذ أسابيع توفيت طفلة كانت بحاجة لرعاية صحيحة متخصصة ولم تحصل عليها، وبعدها توفي طفل آخر لم يتوفر له سرير في مستشفى حكومي، وخلال ذلك عايشنا مأساة عائلة تموت في حريق على مسمع ومرأى من الجيران، والدفاع المدني لم يستطع أفراده الذين حضروا الحادثة تقديم النجدة الواجبة عليهم، وقبل ذلك شاهد الآلاف من الناس على يوتيوب مأساة فقد شابين صحيحين غرقاً في منطقة جيزان أمام أنظار الحاضرين المنتظرين قدوم طائرة الإنقاذ التي تأخرت كثيراً، وهذا بعض مما نسمع كل يوم عن قصص ومآس لم يكن لها أن تحدث لو كان هناك وعي بالعواقب وتقدير لحياة الناس لدى موظف أو مدير أو وزير, أرواح تزهق لقصور في معايير السلامة في الطرق والشوارع والمباني، وأرواح تذهب لقصور في تهيئة المساعدة والرعاية الطبية والعلاجية، وأنفاس تنقطع غرقاً وحرقاً واختناقاً لإهمال في تهيئة أدوات الإنقاذ والإسعاف. المثل الشعبي الدارج يقول « الطاسة مشقوقة « عند الفشل في تحقيق الطموحات والآمال أو عندما يكون الناتج من الجهود المبذولة ضعيف القيمة ولا يلبي الحاجة، وحالنا في كثير من الخدمات، هي كذلك، فطاستنا مشقوقة وهي كثيرة الشقوق، فكثير من الخدمات التي يحصل عليها المواطن من مختلف الأجهزة الحكومية تستلزم إجراءات معقدة وبيروقراطية، لا ترتقي للطموحات ولا التوقعات الدنيا، وأحياناً تنحدر لتصبح عوائق تقف في سبيل راحة المواطنين يكتنفها الفساد والاستهتار بحقوق الناس وأرواحهم، هذا الواقع يتزامن مع واقع آخر وهو أننا في دولة يمثل فيه نسبة موظفي الدولة لمجمل عدد السكان أعلى نسبة من أي من الدول المتقدمة، فكل 10 مواطنين يقابلهم موظف حكومي واحد، ونحن من أكثر الدول فائضاً في ميزانية الدولة نسبة للإنفاق العام للدولة، وفي بلادنا يتوفر لدى معظم الأجهزة الحكومية الخدمية التجهيزات الحديثة والتقنية وبكميات تفوق الحاجة أحياناً، ولكن مع ذلك هناك قصور كبير، في ما يستحق المواطن من خدمات كماً ونوعاً، فيا ترى ما سبب ذلك القصور ؟؟ يجمع علماء الإدارة أن التنظيمات مهما أتقنت صياغتها والسياسات مهما أحكمت كتابتها والتجهيزات مهما أحسن إعدادها، والمعدات مهما تقدمت صناعتها، لا تجدي نفعاً إذا لم يكن الإنسان الذي يتعامل معها مؤهلاً بفكره وعلمه ومهارته ووجدانه للاستفادة القصوى منها في سبيل إنجاز المهام التي أعدت لها، فالإنسان هو المفعل للتجانس بين مكوّنات الأداء، وهو المخطط والمنفذ والمختبر لجودة الإنتاج، والإنسان يكتسب المعرفة بالدراسة والمهارة بالمراسة والفكر بالتوجيه والتوعية، فتفتح له المعاهد والجامعات ويتاح له التدريب والتهيئة ويشرك في ورش العمل وحلقات التفكير والإبداع، ولكن الأهم من بين تلك المكتسبات تكوين الوجدان، فالوجدان هو الدافع الذاتي للإنسان كي يتعلم ويتدرب ويتقن المهارة ويبدع في التفكير، الوجدان هو ذلك الشعور المشتعل في داخل الإنسان الذي يجعله لا يرضى بأقل من الامتياز وهو المؤسس للإحساس بالمسؤولية وهو المؤرق لصاحبه عندما يستشعر القصور في قدرته على مواجهة مسؤولياته، الوجدان هو الشيء الذي لا تستطيع الحكومة توفيره ببند في ميزانيات أجهزتها, هو الشيء الذي لا يمكن تنشيطه بتعميم وزاري، الوجدان هو الذي بات واضحاً ندرته لدى العديد من المسؤولين والموظفين. الطاسة مشقوقة عند قصور الإمكانات والقدرات والكفايات، ولكن الطاسة المشقوقة تضيع عندما نفتقد الوجدان، حينها حتى لو كان بإمكاننا إصلاح الشقوق، فلن نجد الطاسة التي تستحق الإصلاح، فكيف نوقظ الوجدان لدى المسؤول حتى نطمئن انه سيتحمل مسؤولية القصور في الخدمات المأمولة منه ؟ الوجدان في نظري جذوة يوقدها عدة أمور أهمها المسؤولية تجاه الناس كل الناس وليس تجاه شخص واحد ممثل بالرئيس المباشر. [email protected] Twitter @mmabalkhail