كل الأديان السماوية والتي نشأت من رسالات نبوية، بدأت بأطر عامة تمثلت في عدد من الأسس الإيمانية لا تزيد عن عدد أصابع اليد، وكرَّس الرسل (عليهم السلام) حياتهم في سبيل إيضاح تلك الأسس للناس من خلال النصوص التي يتلقونها بالوحي القولي، كما في القرآن والتوراة والإنجيل والزبور، أو الإيحاء المعنوي، كما في السنة النبوية وتعاليم أنبياء الأمم البائدة، فيوضحون للناس أساليب العبادة و يرشدونهم في مسائل الحياة وسلوكياتهم بما يطابق إرادة الله، وكان المؤمنون متحدين ومتجانسين في اتباع رسلهم، خلال حياة الرسل، فمصدر الإجابة والتوجيه واحد عندما يحتاج أي من المؤمنين استيضاح مسألة ملمة، وكان الجميع يمتثل بذلك التوجيه حرفياً، ولكن عندما يتوفى الله الرسل، ويتوسع الدين في الانتشار ويواجه المبشرون به مسائل جديدة فإنهم يعتمدون على فهمهم للنصوص التي بين ايديهم ويجتهدون في الاجابة على تلك المسائل، وحيث كل منهم له فهم يختلف عن غيره، فيطرأ بعض الخلاف في التعاليم الجديدة، هذا فيما يخص المسائل البسيطة، أما المسائل العظيمة فقد تستلزم إجماعاً من تلاميذ الرسل لما لها من أثر في تماسك العقيدة وصيانة الدين، وهذا الإجماع لم يحدث في بعض المسائل الجسيمة، وأصبح هناك افتراق حول فهم واقع المسائل وتطبيق مفاهيم النصوص، وقد يكون هناك عوامل أخرى ساهمت في افتراق الإجماع، ولم يسلم هؤلاء من اتهام بعضهم البعض باتهامات زادت من فرقتهم وأصلت اختلافهم ومنهجت توجهاتهم، هكذا اختلف اليهود واختلف النصارى وكذلك المسلمون، والخلافات لا زالت تحدث ضمن كل فريق مهما صغر بنفس الآلية، ومع الزمن تسود فرق وتضمحل أخرى والناس يتحولون من الفرق الضعيفة للقوية، والتي تتوافر لها تلك القوة بحكم السلطان والحجة والوسيلة. في هذه الأيام يحتدم خلاف حول مسألة فرعية في العقيدة، تتمثل في جواز أو عدم جواز تمثيل شخصيات أصحاب الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- وخصوصاً الخلفاء الراشدين منهم. فتجسيد شخصية عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) مثل هذا الانقسام في الرأي، فمن يجيزه استند على مفاهيم لنصوص موجودة و من لا يجيزه أيضاً استند على نصوص موجودة، لذا نجد أن الخلاف هو بين مفاهيم وليس بين أسس ومع ذلك تمثل هذه المفاهيم أسس لأتباع المختلفين، هذا النمط من الانقسام في الرأي هو نموذجي لمعظم الانقسامات المذهبية والطائفية التي حدثت في الماضي، فاتباع الطائفة يجدون في مفهوم أمامهم أساس عقدي يكسبونه قدسية النصوص الأصلية، ويبالغ أحياناً بعض شيوخ المذهب أو الطائفة في تقديس كلام إمامهم بصور تأطيرية تساويه بالنصوص الأصلية الربانية والنبوية، وينعتون من يخالفه بنعوت تخرج من الملة، هذا الفعل يؤلب الفرق الأخرى ويخلق صراعاً خفياً حول حقيقة العقيدة وهو ما ينقلب عند توافر ظروف معينة إلى صراع دموي بين الفرقاء الذين كل منهم يرى الله بجانبه. في هذا الزمن نعيش ثورة معرفية معلوماتية تمكن كل متعلم يجيد البحث والاستنتاج الوصول لكم هائل من المعرفة تجعله قادراً على الاطمئنان لفهمه، وبالتالي تنقية عقيدته مما علق بها من مفاهيم الأوائل التي ربما بنيت على، شطط بالفهم والتطرف في الاتباع، وواقع الحال المتميز بكثرة المتعلمين ويسر المعرفة، يجعل من هؤلاء الباحثين جمهوراً يتكاثر ويتبادلون مفاهيمهم من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي سيقود لتوجه عام نحو بلورة وحدة مفاهيم تختزل كل المفاهيم السابقة والتي أسس عليها كثير من الاحكام الفقهية والعقدية، ونكون أمام فرصة تاريخية لتوحيد كثير من الخلاف وتضييق شقة البون بين المذاهب والطوائف، مما يقود في المستقبل لحل كثير من أزمات المسلمين، هذه الفرصة التاريخية سيكون لها محاربون ممن تأصل في أذهانهم الصراع الطائفي والمذهبي وسيكون لها مناصرون ممن ينشد وحدة عقيدة المسلمين، الأهم أن يكون لها دعم اجتماعي من عموم المسلمين. [email protected] Twitter @mmabalkhail