تختلف الأصوات في قوتها ودرجة تأثيرها وتتفاوت. فهنالك الأصوات المهيبة التي تُخشى قبل أن يُحمل الأثير ذبذباتها، وهنالك المرتفعة المقلقة التي تُتقى عواقبها وهنالك الأصوات الهامسة الخفية التي تؤثر وتغير حتى ولو لم تسمع. وأخيراً الأصوات المهملة التي مهما ارتفعت وتغيرت نبراتها المهددة أو المستجدية المستغيثة فإنها تضيع مع زحام الأصوات الأخرى وتغيب! فأي هذه الأصوات تتمنى أن يكون صوتك ؟ في الأسبوع الماضي دار حوار طويل بيني وبين صديقة لي تشتكي من القصور الذي تراه من قطاع معين ولن أحدد هذا القطاع حتى لا تحصر القضية في قطاع معين لأنها مع أخوتها (قطاعات الخدمات) في الهم سواء. كانت تتساءل عن مدى الأثر الذي يمكن أن يحدثه مقال ما أو شكوى معينة في أداء أي جهاز إداري مقصر، لا أحب أن أكون متشائمة إلا أن قناعاتي تقودني إلى أنها تضيع مالم تصاحبها مصلحة معينة أو يد نافذة. فمن الصعب فعلاً أن نقر بحقيقة هي ليست موجودة أو لم تعد كذلك، فلو كان الوزير أو المسؤول أو المدير أو حتى الموظف الصغير يخشى استياء المواطن من مستوى الخدمة التي يقدمها أو القصور الذي يصاحبها لما كان هنالك قصور، وحتى وإن حصل فإنه يتدارك ويقدم تبرير رسمي بذلك. ولما كنا رأينا المواطن يبحث وتحفى قدماه من البحث عن واسطة تمكنه من الحصول على خدمة هو يستحقها. ولب القضية ومأساتها أن الوزارات المعنية تكاد تكون معزولة عن هموم مجتمعها عاجزة عن التفاعل بإيجابية مع احتياجات مواطنيها وأولوياتهم. تقدم المشاريع وتروج لها في مؤتمراتها وحملاتها الصحفية، ولا تكلف نفسها عناء استقصاء رضا المواطنين عنها أو ارتياحهم لها ومدى استفادتهم منها. ترى الصحف تضج بالشكاوى التي يحمّلها المواطنون همومهم وآراءهم وترى التفاعل بطيئاً سلبياً في معظمه، حتى وإن بدا في ظاهره مغلفاً بالحماس والاستياء فإن الآلية التي يتعامل بها معها والتي تتقنها أغلب الوزارات والقطاعات الحكومية وتمارسها باحتراف في التملص من تحمل المسؤولية تجاه قصور معين أو لمواجهة شكوى أو تظلم بما تقوم به من تسويف وتحويل للشكوى أو المعاملة من لجنة لأخرى ومن قسم إلى قسم ومن قطاع إلى قطاع تذوب معه حدة الشكوى أو المعاملة وتمتص حماس أصحابها وتستنزفه حتى يفرغ من كل قطرة استنفرت للمطالبة بذلك الحق. فتنسى ويجبر أصحابها على نسيانها. وبالرغم من أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير سلطان بن عبدالعزيز قد شددا على ضرورة سماع صوت المواطن بل والاستقصاء والاستعلام عن مدى رضاه حتى وإن لم يتكلم. إلا أن صوت المواطن البسيط لا يزال ضعيفا عصياً على المسؤولين سماعه. ولست أدري هل الوزارات المقصرة بوزرائها وموظفيها يعملون في غرف عازلة للصوت أم أن أصوات المواطنين تنقلها ذبذبات مختلفة عن تلك التي برمجوا عليها لنلتمس لهم شيئاً من العذر. أما إذا كانوا يسمعونه ولا يحرك في وجدانهم ولا ضمائرهم المبتلاة شيئاً فتلك فعلا مأساة كبرى؟!