لو نظرنا إلى الحياة لوجدناها صاخبة بكل ما فيها من حركة لا تتوقّف، والناس تعيش ضوضاءها فلا تحس بمن حولك ولا يبهرك بريق الحياة ولا إنجاز الإنسان، لأنك تسير على عجلتها السريعة، ولذلك يتجه نظرك وإحساسك لطريقك وبقية تفاصيل حياتك. حتى العلاقات الاجتماعية والأسرية لم تسلم من هذه الغفلة أو الإغفاءة، لأنك مشغول بالحياة التي تبدّلت أحاسيسها إلى ميكانيكية الدوران فقط دون أن تحس بطعم ونكهة أي شيء فيها. زمان أول نتذكّر حياة الآباء والأجداد وتبهرنا العلاقات الحميمية فيها والترابط والتماسك بين الناس «أقارب وأصدقاء» ونحس بطعمها من خلال هذه الذكرى، مع أنّ غالبيتنا لم يعش تلك الفترة التي امتزجت بحلوها ومرّها، ومع أنّ مرّها أحلى من حلو الحياة الحالية، لأنّ فيها الصدق والإحساس بالحياة. ومن خلال هذا الجو الباهت لم يَعُد الإنسان منا يتذكّر أحداً سواء من قريب أو صديق أو صاحب إنجاز أو فاعل خير أو ذا تأثير في الحياة سواء للفرد أو المجموع، إلاّ عندما يداهمه الموت هادم اللذات، فعند ذلك نئن ونسترجع الذكريات ونعدد الحسنات فنبدأ في مشوار التكريم والإشادة بمن فقدناه وهو يحتل مكانة عالية في قلوبنا ونفوسنا، لا نتذكّره إلاّ بعد أن يغيب من خارطة المجتمع، وبعد أن يحس هو أنه مهمّش ولم يَعُد محسوساً به بيننا، إنه خطأ السير في هذه الحياة نرتكبه بمحض إرادتنا وبما طوّقنا به أنفسنا من العزلة والرّكض في هذه الحياة في مسار معتم لا نشاهد من خلاله أحداً إلاّ أنفسنا، كم قريباً لا نتذكّره إلاّ بعد إعلان وفاته فنترّحم عليه بكلمتين أو ثلاث ثم ننسى، ونعاود الرّكض في غياهب الحياة والنسيان، وكم من علم وصاحب إنجاز يشقى ويعمل لصالح المجتمع لا نكرّمه ولا نقدّر إنجازه إلاّ بعد أن يغادرنا إلى اللحود، ثم نتبعه بالتكريم الذي لا يصله ولا يحس بنشوته، فلربما كان اعترافاً منا بالنسيان لهؤلاء الأبطال الأفذاذ. إنها أيها الإخوة سلبية يجب على المجتمع أن يعيها، ويهب لاستعادة حرارة علاقاته بعضه ببعض، وأن تكون الحياة مفعمة بالمحبة والتواصل والدفء لنكون مجتمعاً حياً متكافلاً نحس بنبضات أفراده. فالموت حالياً أكثر تخليداً من الحياة فليكن تخليدنا أحياء لأنّ ما بعد الموت عقوق ونسيان. شقراء