الحمدُ لله الذي جعل الصيام جُنّة، وراحة للنفوس المطمئنة، وسبباً موصلاً إلى الجنّة، والصلاة والسلام على خير من صلى وصام وقام، وعلى آله وصحبه الكرام. وبعد، فمرحباً وأهلاً وسهلاً بشهر الصيام، يا حبيباً زارنا في كل عام، فقد لقيناه بحب مُفعم، وكل حب في سوى المولى حرام، فما أجمل ساعاته ولحظاته، وكم سيمرُ سريعاً، فهو ضيف خفيف الظل، ولكن ليكن لسان حالنا كحال الذي يصوم صيام مودع، ويقوم قيام مودع، فلربما لا تعوض لنا الفرصة مرة أخرى.. أيا شهر الصيام فدتك نفسي تمهل في الرحيل والانتقالي فما أدري إذا ما الحول ولى وصرت في قابل في غير حالي أتجدني مع الأحياء حياً أم تجدني في اللحد بالي فشهر رمضان مزرعة عظيمة من مزارع الآخرة، وميدانٌ رحب من ميادين التنافس في الأعمال الصالحة، قال تعالى: فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ . فهنيئاً لمن أرى الله من نفسه خيراً، قال صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه» وفي رواية: «وما تأخر من ذنبه». فالمُوفق من وفقه الله، والمحروم من حُرم، فرمضان فرصة عظيمة للتوبة والرجوع والإنابة والخضوع، فما أعظم أن نقف بين يدي الله تائبين، وأن نعزم إليه صادقين، قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ولو تأملنا لوجدنا أن هذه الآية أتت في وسط آيات الصيام في سورة البقرة. وختاماً، فإن العبرة بالخواتيم، ولنستدرك ما بقي من الشهر الكريم ولاسيما العَشر الأواخر قلب رمضان النابض، حيث ليلة القدر التي لها قدر ومكانة، حيث كان صلى الله عليه وسلم يجتهد في العَشر ما لا يجتهد في غيرها وكان يعتكف في المسجد، قال تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ فنسأل الله التوفيق والإعانة. د. سعيد بن غليفص - عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود