صارت الدراسة التي أجراها خبيرٌ سابق لدى الشركة الاستشارية الشهيرة «مكنزي» عن الثروات الخاصة حديث الأغنياء والفقراء على حد سواء في جميع أرجاء العالم. وليس هذا بغريب لأن موضوعها الأساسي هو الثروة التي تستأثر بها النخبة من أغنياء العالم.. وبعض أفراد هذه النخبة ينتمون إلى أكثر بلدان العالم فقراً، وقد كوَّنوا ثرواتهم بطرق ملتوية كالاختلاس والاتجار بالممنوعات.. بل وأحياناً بالسرقة المباشرة من المال العام وذلك باستغلال مواقعهم الوظيفية في بلدانهم. بعض هؤلاء رؤساء سابقون لدول في إفريقيا وآسيا.. وبعضهم من كبار المتنفذين في بلدانهم في مواقع مختلفة. لقد رصدت الدراسة حالة مفزعة من الاختلال في توزيع الثروة بين الناس. وليت هذا الاختلال كان ناتجاً عن تباين مهارات الناس ومواهبهم في العمل الحقيقي المنتج، فلو كان هذا هو السبب لكان مفهوماً أن تتباين الثروات بين الناس فقد خلق الله البشر متفاوتين في قدراتهم وإمكانياتهم. ومنذ الأزل كان هناك الغني وكان هناك الفقير. ولكن عندما يكون سبب التفاوت الفاحش في مستوى الدخل هو التحايل والفساد والكسب غير المشروع فذلك يؤكد مدى الخلل الذي أصبح عليه عالم اليوم، وخصوصاً في ظل تواطؤ بعض البنوك والمؤسسات المالية العالمية وتظليلها للرأي العام من خلال تقارير غير دقيقة تذُر من خلالها الرمادَ في العيون لتغطية المخالفات والتجاوزات. في هذه الدراسة التي تناقلتها وسائل إعلامية كثيرة تبيَّن أن ما يصل إلى 32 تريليوم دولار من الأصول المالية التي يملكها بعض الأشخاص القلائل وعائلاتهم «المحظوظة» قد تم إخفاؤها في ما يسمى ب «الملاذات الضريبية».. وهي عبارة عن حسابات بنكية خارجية سرية بمنأى عن الضرائب. والمحزن أن بعض هذه الثروات تخص أفراداً من دول فقيرة تعاني شعوبها من الجوع والمرض والفقر وكل الآفات والمصائب الاجتماعية التي تأتي مع التخلف..!! هذه الدراسة ليست الأولى من نوعها، فقد صدر في العام الماضي كتاب بعنوان «الملاذات الضريبية والرجال الذين سرقوا العالم» كشف مؤلفها عن الدور الكبير الذي يلعبه حي المال في لندن في تيسير إخفاء الثروات التي يملكها رجال العصابات وتجار المخدرات والزعماء الفاسدون في دول العالم الثالث وذلك عن طريق الملاذات الآمنة المرتبطة بالمؤسسات المصرفية الغربية. إن وجود مثل هذه الظاهرة يؤكد مرة أخرى أن تداخل المصالح بين هذه الفئات الفاسدة والمؤسسات المصرفية العالمية هو أحد أبرز أسباب استنزاف ثروات الشعوب، وخصوصاً في البلدان التي تغيب فيها الشفافية والمحاسبة وهي في الغالب دول العالم الثالث في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وبسبب ذلك تزداد الفجوة بين الأغنياء والفقراء؛ فالأغنياء يزدادون غنىً والفقراء يزدادون فقراً بينما تنقرض الطبقة الوسطى حتى تكاد تتلاشى. [email protected] ص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض