تدفع ألمانياوفرنسا باتجاه إدراج سويسرا على لائحة سوداء للملاذات الضريبية، في تطور يرى فيه مراقبون كثر مقدمة لحرب شبه عالمية على السرية المصرفية. لكن مراقبين آخرين يرجحون وجود أسباب أعمق للتحرك ضد البلدان التي تعتمد السرية المصرفية بما يساعدها في اجتذاب أصول ضخمة، خصوصاً مع احتدام الأزمة المالية العالمية وتقليصها للسيولة. وتستقطب سويسرا، وهي المركز المالي الخارجي (أوفشور) الأكبر في العالم، كميات كبيرة من الأموال الأجنبية لسريتها المصرفية الشهيرة وخدماتها المالية التي يُعتمد عليها في حماية معلومات المالكين. بقيادة فرنساوألمانيا، وضعت «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تتخذ من باريس مقراً لها، سويسرا على لائحتها السوداء الموقتة للملاذات الضريبية غير المتعاونة. وتحت الضغط هذا الشهر، قررت السلطات السويسرية تعديل قوانين السرية المصرفية الخاصة بها لتتلاءم مع الضوابط الخاصة بالمنظمة التي تضم 30 بلداً، بينها 27 بلداً يصنّفها البنك الدولي بأنها الأعلى دخلاً في العالم وثلاثة بلدان (بولندا والمكسيك وتركيا) تُعتبر متوسطة الدخل. وتحاول سويسرا بذلك إقناع «مجموعة ال20» التي تضم 20 اقتصاداً غنياً وناشئاً، وتعقد قمة في لندن في 2 نيسان (أبريل) المقبل لتدارس سبل مواجهة أزمة المال العالمية، بعدم استهدافها إذا قررت معاقبة الملاذات الضريبية. واضح ان تخفيف السرية المصرفية وزيادة الاستعداد للتعاون مع الطلبات الأجنبية حول هويات كبار مالكي الحسابات سيصيبان النظام المصرفي السويسري في الصميم. ان المصارف السويسرية تحتوي ودائع أجنبية تُقدر بتريليوني دولار، وتمثّل الخدمات المالية نحو 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لسويسرا. وتقدر مؤسسات بحثية («المجموعة الاستشارية لبوسطن»، مثلاً) ان الأموال الأجنبية المودعة في سويسرا تساوي ربع الأصول الأجنبية في العالم. وفيما يُرجَّح ان يسحب مودعون، خصوصاً الأميركيين والأوروبيين منهم، أموالهم من المصارف السويسرية في رد فعل على تخفيف السرية المصرفية فيها. يُتوقَّع ان تكون المسحوبات من نصيب المصارف المحلية المرهقة. يكاد يتفق الخبراء الاقتصاديون على ان غياب الشفافية في العمل المصرفي من أهم أسباب الانهيار المالي الأخير، خصوصاً في الولاياتالمتحدة ثم في أوروبا الغربية فاليابان. وهذا الانهيار هو ما أرهق الاقتصاد العالمي وأغرقه في الركود الحالي. لا بد إذاً من أن يفضي إلغاء الممارسات السرية أو تقليصها وتعزيز الانفتاح على التعاون الدولي إلى بداية انتعاش في القطاع المصرفي العالمي كفيلة إذا اكتملت فصولاً بإنعاش الاقتصاد العالمي ذاته. إن الجهات التي تنتقد أكثر من غيرها السرية المصرفية هي الغارقة أكثر من غيرها في الأزمة الاقتصادية العالمية والتواقة أكثر من غيرها إلى أموال تصحح الحالات المتفاقمة من العجز وتموّل خططها التريليونية لإنعاش الاقتصاد. لقد نجحت الولاياتالمتحدة الشهر الماضي في الحصول على معلومات عن 300 أميركي غني ممن أودعوا أموالاً في سويسرا واشتُبه بأنهم يتجنبون الضرائب في وطنهم. وراقبت الدول المعنية في العالم التحقيقات الأميركية مع «يو بي أس»، المصرف الأكبر حجماً بين المصارف السويسرية. وكانت أعين جيران سويسرا في الاتحاد الأوروبي الأكثر تنبهاً لمجريات القضية. فبعد التحرك الألماني والفرنسي، هب وزير الخزانة البريطاني أليستر دارلنغ لينتقد السرية المصرفية السويسرية ويدعو إلى إبدال الشفافية بها. وفيما يخشى كثر من أن تدمر الحملة أسس العمل المصرفي السويسري، ليست سويسرا وحدها المستهدفة، فهناك سرية مصرفية، متينة إلى هذا الحد أو ذاك، في بلجيكا وأندورا ولشتنشتاين والنمسا ولوكسمبورغ، ويبدو ان كل هذه الدول استجابت للضغوط وبدأت بتخفيف سريتها المصرفية. والنتيجة الواضحة أن المودعين الأثرياء سينقلون أموالهم إلى مصارف محلية، ومع ازدياد الشفافية في الملاذات الضريبية، ستتعزز الواردات الضريبية لدول مثل الولاياتالمتحدة. وفي ذلك جرعة دعم قوية للمصارف والاقتصاد في الولاياتالمتحدة وإلى حد أقل للمصارف والاقتصادات الأوروبية. يقول الرئيس السويسري هانس – رودولف مرتز ان السرية المصرفية ستبقى كما هي ولن تُخفَّف إلا حين تتقدم دول أخرى بدلائل قوية على حالات التهرب الضريبي. ان كلامه مثال جديد على موقف متصلب يخفي تغيرات كبرى. ولن يكون العمل المصرفي السويسري بعد اليوم على ما كان عليه.