الحمد لله الذي يمحو الزلل ويصفح، ويغفر الخطأ ويسمح، كل من لاذ به أفلح، وكل من عامله يربح، رفع السماء بغير عَمَدٍ فتأمل والمح، وأنزل القَطْر فإذا الزرع في الماء يسبح، أغنى وأفقر وربما كان الفقر أصلح، فكم من غنيٍ طرحه الأَشَر والبَطَر أقبح مطرح، هذا قارون مَلَكَ الكثير لكنه بالقليل لم يسمح، نُبِّهَ فلم يستيقظ وَلِيْمَ فلم ينفعه اللوم إذ قال له قومه لا تفرح، نحمده ما أمسى النهار وما أصبح. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مَنَّ على عباده بمواسم الرحمة والغفران، وجاد عليهم بأوقات البِرِّ والإحسان، وأزمان الخير والفضل والامتنان. وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله خير من صلى وزكى وحج وصام، وأفضل من تهجد لله وقام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان على الدوام وسلم تسليماً كثيراً. إخواني: اشكروا الله تعالى على نعمه الوافرة، ومننه المتكاثرة، ألا وإن من أعظم آلاء الله على عباده ما شرع لهم من العبادات العظيمة، والمواسم الكريمة، التي بها تزكو نفوسهم، وتمتلئ خيراً وصلاحا، وبركة ونماء، وتشع نوراً وضياء، وتتلألأ إشراقاً وصفاء، شهر رمضان شهر كريم، وموسم عظيم، حيث الأيام المباركة، والليالي الغر الفاضلة من أعظم الفرص الإيمانية التي لا تُعَوَّض ولا تُقَدَّر بثمن، كيف لا، والمسلم يعيش فيه مع القرآن، ويبتغي فيه الرحمة والمغفرة والرضوان، والفوز بالجنان، والعتق من النيران، ويتعرض فيه لنفحات الملك الديان. إن هذا الشهر الكريم ميدان خير وتقى، وصلاح وهدى، يستبق في ساحته المؤمنون، ويتنافس في إدراك فضله المتنافسون، ولكن: هل يعي المسلمون مآثر هذا الشهر الكريم؟ وهل يعرفون حِكَمُهُ وأسراره، وفضائله وآثاره؟!. وهل يُطَبِّقون ويعملون بما من أجله شُرع الصيام أو أن كثيراً منهم جَهِل حِكمة تشريعه، وتناسى آثاره الخيِّرة، وسننه النيِّرة، واكتفى من الصيام بحبس نَفْسه عن الطعام والشراب، والمفطرات الحسية فحسب. إخواني: إن لم يُقْبِل على الله تعالى من شغلته عن دينه دنياه فمتى يُقْبِل؟! إن لم ينتفع شباب المسلمين من هذه المواسم العظيمة -صلاحاً وإصلاحاً- فمتى ينتفعون؟! وإن لم يَعُد نساء المسلمين إلى أجواء الإيمان والاحتشام والحجاب فمتى يعدن؟! إن لم ينفق الأثرياء ويجودون بأموالهم التي أنعم الله بها عليهم فمتى يجودون؟! إخواني: إن هذا الشهر المبارك فرصة لرجعة ثابتة، وعودة صادقة إلى الله تعالى، وليست تغيراً مؤقتاً في أيام معدودة، فيا سعادة الصائمين، ويا بشرى للقائمين إيماناً واحتساباً دون تثاقل وملل، ومن غير استطالة أو كلل. إن على المسلم ألا يستكثر عمله على ربه، من صيام وقيام وصدقة واعتكاف، وتلاوة ودعاء، فكل عمله -مهما كثر- فهو قليل في جانب نِعَم المولى -جل وعلا- عليه، وإنه لمن الحرمان والخسارة أن تمر أيام وليالي هذا الشهر المبارك، وفيه من المسلمين من لم يحرك ساكناً لاغتنام هذه الأوقات، فيقطعون النهار بالنوم والكسل، والليل بالسهر واللهو. ألا يتذكر أولئك سرعة زوال هذا الشهر؟! أين محاسبة النفوس يا عباد الله؟! تمر ليالي هذا الشهر المبارك كلمح البصر وبعض المسلمين في غفلة معرضون، وفي غمرة ساهون، ألا نعتبر بمن كان معنا في رمضان الماضي، ولكن حال الموت بينهم وبين إدراك رمضان هذا العام، بل وافاهم رمضان وهم تحت الثرى، وقد سرى فيهم البلى، ونحن لا ندري، هل نتم هذا الشهر أو يحول بيننا وبين إكماله هاذم اللذات، ومفرق الجماعات، فنسأل الله تعالى العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، وأن يختم لنا جميعاً بخاتمة السعادة. إخواني: لقد حل بنا شهر رمضان المبارك، وكنا بالأمس القريب نتمنى حلوله، ونتشوق لاستقباله، وقريباً سينقضي كما انقضى غيره، وتلك سُنَّة الله سبحانه، فهل من وقفة -يا عباد الله- لمحاسبة النفوس، وفتح صفحة جديدة من الأعمال الصالحة؟! لا سيما ونحن نعيش هذه الأيام المباركة من شهر رمضان، فهل من متعرض لنفحات المولى جل جلاله، هل من مشمرٍ لعبادة الله، هل من متعرضٍ لعفوه سبحانه وتعالى؟! أما آن للقلوب الغافلة والنفوس الشاردة أن تُقبل على الله قبل فوات الفُرَص وانقضاء الأعمار؟! كلنا والله ينشد رفعة الدرجات، وتكفير السيئات، والفوز بالجنات، إذن: فهذه مواسم المتاجرة مع رب الأرض والسموات، فيا باغي الخير أَقْبِل ويا باغي الشر أَقْصِر. اللهم: فكما بلَّغتنا رمضان، فاجعل عامه من أبرك الأعوام، وأَيَّامه من أسعد الأيام، وتقبل منا ما قدمناه فيه من صالح الأعمال، اللهم أعنا على طاعتك وعلى ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم اجعلنا في هذا الشهر من المقبولين، واجعلنا من عتقائك من النار يارب العالمين، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الإدارة العامة لتطوير الخطط والمناهج - بوكالة الجامعة لشئون المعاهد العلمية - بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية