في سعيها لاستعادة مكانة الدولة المشاركة في صنع القرار الدولي في موقع الثنائية القطبية، والتي فقدتها بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، تسعى موسكو إلى مناكفة واشنطن، وليس فقط إلى مزاحمتها في القضايا الدولية. ومع اختلاف الأوضاع وتبدل المتغيرات الدولية، ترى موسكو أن أفضل وسيلة لمشاركة واشنطن احتلال القمة الدولية، هو استعادة مناخات ومشاكسات الحرب الباردة مع الغرب. ولأن مثل هذه الحرب التي أدواتها وميدانها المواجهات السياسية تتطلب كتلتين دوليتين، إن لم تكونا متساويتين في القوة على الأقل تملك إحداهما أدوات تعرقل خطط وتحركات الكتلة الأخرى. وبما أن واشنطن قد وسَّعتْ من حلفائها وزادت عدد الدول المنضوية تحت كتلتها، ومنها دول كانت ضمن فضاء موسكو السياسي إبان الاتحاد السوفياتي، فإنَّ روسيا بوتين عملت ولا تزال تعمل على صياغة كتلة مضادة بغض النظر عن عدد دولها. وقد أتاحت لها الأحداث التي تشهدها المنطقة العربية وما يُسمى بالشرق الأوسط الكبير أن تجد بغيتها في تكوين هذه الكتلة، والتي ضمَّتْ حتى الآن بالإضافة إلى الصين التي لها حساباتها التي وإن اتفقت مع بعض حسابات موسكو إلا أن لها حساباتها وتوجساتها في مواجهة واشنطن. عموماً روسيا وفَّرَتْ لها الأحداث التي تشهدها المنطقة العربية وحاجةُ أنظمةٍ منبوذة إلى ملاذ وقوة دولية تساندها في توسيع الكتلة المضادة للغرب باحتواء النظام الإيراني المحتاج إلى فك عزلته ونظام بشار الأسد المهَدِّد بالثورة السورية. وهكذا، عَبْر الأزمة السورية استعادت موسكو دورها في مواجهة واشنطن، وحتى وإن جاء هذا الدور سلبياً من خلال معارضة كل خطوات الحل وعرقلة جهود الأسرة الدولية، مستفيدةً من امتلاكها حق استعمال النقض «الفيتو» لإسقاط أي قرار دولي في مجلس الأمن الدولي، وهو ما لجأت إليه وبمساعدة بكين مرتين إبان نظر الأزمة السورية في مجلس الأمن، وتهدد بتكرار هذه الفعلة. إضافة إلى المواقف السلبية التي اتخذتها روسيا في مجلس الأمن، تقوم بدور معاكس ومشاكس لكل المبادرات والخطوات التي تقوم بها الكتلة الغربية بقيادة واشنطن، في محاولة حثيثة لاستعادة أجواء الحرب الباردة التي تعتقد موسكو أنه عن طريقها يمكن استعادة موقعها كدولة مشاركة في صُنع القرار الدولي، ومناصفة في معادلة القطبية الثنائية مع واشنطن رغم اختلال معايير القوة، سواء في الفضاء السياسي أو المكانة الاقتصادية وحتى القوة العسكرية. [email protected]