يعاني المصطلح العربي - الإسلامي إشكالية التهميش وعدم الاعتناء به تحديداً للمعنى وتأصيلاً للمبنى وإيضاحاً للمرادفات وبياناً للمحددات وتسويقاً للأفكار والتطبيقات، وهي وللأسف الشديد إشكالية متجذرة في ثقافتنا المعاصرة ولها ارتباط قوي -في نظري- بعقد الشعور بالنقص، ومحاكاة المنتصر المتفوق، والتغريب الثقافي!!، ويأتي على رأس القائمة المهمشة المصطلحات الاقتصادية والسياسية، حتى ظن الباحث العالمي بأن تراثنا الحضاري فقير في مفرداته ونظرياته ومنطلقاته وتطبيقاته!!، وعلى افتراض وجود شيء من هذه المصطلحات أو التطبيقات في ثنايا فكرنا المدون فهي في نظر غالبية المنظرين وصناع القرار والأكاديميين والإعلاميين عاجزة وقاصرة وصلاحيتها محدودة زماناً ومكاناً!!، ومن بين هذه المصطلحات المظلومة مصطلح (البيعة)، والذي يظن البعض منا أنه سلوك سياسي مرتبط بالتجربة المحلية في الحكم مبتور الجذور منقطع التاريخ!!. لقد بايع الناس صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولياً للعهد خلفاً لصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز رحمه الله، وقد تابعت مثل غيري كثيراً مراسم البيعة في مناطق المملكة المختلفة، وأثارت هذه المشاهد التي نقلتها لنا وسائل الإعلام المختلفة أسئلة عدة، البعض منها لها علاقة مباشرة بالتأصيل النظري والآخر مرتبط بالجانب التطبيقي والثالث يقارن بين التجربتين الديمقراطية والإسلامية في الحكم. إن البيعة مصطلح شرعي ورد في كتاب الله وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعل في قول الله عز وجل عن المؤمنين وقد مدوا أيديهم لرسول الله يوم الحديبية ليبايعوه: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ (10) سورة الفتح. تبياناً لقداسة شأن هذا السلوك المرتبط بالجانب التنظيمي للدولة في شريعة الإسلام، كما أن في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية». وقوله عليه الصلاة والسلام: «من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر». دليل على وجوب السمع والطاعة في غير معصية الله وتأكيد على اجتماع الكلمة وتوحيد الصف خلف إمام واحد. والمبايعة في حقيقتها نهج ديني - سياسي يقوم على عقد بين الأمة والإمام وولي عهده يوجب على كل طرف واجبات ويُحدد له حقوق، ومع وضوح المفهوم عند الكثير إلا أنني أعتقد أنه اليوم في ظل التباس الرؤى وكثرة الأطروحات وتعدد الاتجاهات والتصورات وتنوع الثقافات والمرجعيات يحتاج إلى طرح أشمل يحدد ما هيته ويبين أركانه ونوعيته ويوعي الناس بأهميته وصلاحيته لكل زمان ومكان وقابلية تطبيقه في مجتمعات عالمنا المعاصر، خاصة أن المملكة العربية السعودية متميزة بامتياز في المحافظة على البيعة الشرعية للإمام وولي عهده الأمين. إن صياغة البيعة تحدد المرجعية وتأسس للشرعية وهما من أصعب الإشكاليات السياسية في عالمنا المعاصر. عوداً على بدء أجدد العهد لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وأبايع صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز ولياً للعهد وأسأل الله عز وجل أن يديم عزنا ويعلي رايتنا ويحفظ بلادنا ويقينا شر من به شر ودمت عزيزاً يا وطني وإلى لقاء والسلام.