أحمد الله على تحسن الوعي العام بالوضع الاقتصادي، وللتوضيح دعوني أسوق بعض الأمثلة:- - كانت السمة السائدة في الإعلام الاقتصادي الرسمي، هي امتداح كل ما يتعلق بالميزانيات، وحجم الاعتمادات المالية، ولكن لم يكن هناك حديث عن تعثر المشروعات، ولا عن الفساد المالي، واليوم ارتفع الصوت الذي ينتقد أداء الجهات الحكومية، بالرغم من اعتماداتها المالية الكبيرة! أما موضوع الفساد: فحدث ولا حرج! وحادثة سيول جدة إحداها. - لم تكن تنشر أرقام نسبة التضخم في الأسعار، إلا في حالة انخفاضها، وتحجب في حالة ارتفاعها، واليوم تنشر المعلومات في الحالتين. - أرقام البطالة مازالت متضاربة، ولكن السبب اليوم ليس هو الرغبة في إنكار وجود المشكلة، وإنما هو بسبب عدم وجود أسلوب محكم لرصدها، ولكنها موجودة، وبنسب غير مقبولة لأي اقتصاد. - علم الاقتصاد ليس هو علم للنخبة فقط، بل هو علم الحياة اليومية للإنسان، لذلك لا يجوز احتكار معرفته، أو إنكار قدرة أي إنسان في الإدلاء بدلوه فيه، فكل إنسان يبدأ يومه لتأمين احتياجات منزله، أو يحتاج لاستئجار، أو تملك سكن، أو يبحث عن عمل، كل أولئك هم تلقائياً خبراء اقتصاد، لأنهم باحثون عن وسائل كريمة للمعيشة، ويعايشون مشاكل التضخم، والبطالة يومياً بشكل عملي، وليس نظري. لكل ذلك لا تجوز النخبوية في مناقشة قضايانا الاقتصادية، وأتمنى على وسائل الإعلام أن تدخل في عمق المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها المواطن، فلم يعد كل شيء «تمام التمام». هناك قصة تروى عن الرئيس الأمريكي السابق هاري ترومان، وهو في الأساس فلاح أتى من ولاية كانساس الزراعية، وقادته الصدفة إلى الرئاسة، بعد موت الرئيس فرانكلين روزفلت، فكان على ترومان، أن يتعلم الكثير عن أسلوب الإدارة الاقتصادية، وجيء له بخبراء اقتصاديين لشرح القضايا الاقتصادية، ولكن الاقتصاديون بطبيعتهم لا يعطون جواباً واحداً شافياً، وإنما يضعون عدة حلول محتملة، فيقولون: «إنه إذا حدث هذا وذاك، فقد يحدث ذلك، وإذا تغيرت تلك المعطيات، فقد يحدث العكس»!! وعندما سُئل الرئيس ترومان عن مدى تعلمه اقتصاديا، أجاب بأنه مازال بانتظار ذلك الخبير الاقتصادي الذي يعطيه حلاً واحداً، لا حلين! ولكن لئلا أختم بنظرة سلبية، فنحن والحمد لله بخير، ولدينا من مقومات النجاح الكثير، شريطة إخلاص النية، ومكافحة الفساد المالي، والإداري، والعمل الجاد لرفعة هذا الوطن الغالي. [email protected]