تروي لنا كتب الأخبار أن أبا أيوبَ بنَ سَجَّارٍ بعث غلامه إلى أبي عبد الله الأعرابيّ صاحب كتاب الغريب في اللغة يسأله المجيء إليه، فقال للغلام: قل له: عنده قوم من الأعراب، فإذا قضى أَرَبَه معهم أتى، ولم ير الغلام عنده أحدًا إلا أن بين يديه كتبًا ينظر فيها، ثم جاء بعد ذلك، فقال له أبو أيوب: سبحان الله العظيم، تخلفت عنا وحرمتنا الأنس بك، وقد قال لي الغلام: إنه ما رأى عندك أحدًا، وقلت أنت: معك قوم من الأعراب، فإذا قضيت أَرَبي معهم أتيت؟!! فقال له ابن الأعرابي: لنا جلساء ما نمل حديثهم *** ألبَّاء مأمومون غيبًا ومشهدا يفيدوننا من علمهم علم ما مضى *** وعقلا وتأديبا ورأيا مسدّدا فلا فتنة تخشى ولا سوء عشرة *** ولا نتقي منهم لسانا ولا يدا فإن قلت أموات فما أنت كاذب ** وإن قلت أحياء فلست مفنّدا ومع كل هذه الفوائد التي في الكتاب إلا أنه لا يوجد استبيان عالمي يتحدث عن متوسط القراءة لدى الشعوب إلا وكانت أمة العرب والمسلمين في آخر درجات هذا السلم، مع أن الله تعالى بدأ نبيه بالأمر بالقراءة فقال سبحانه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ {1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ}. إن كثيراً من الدراسات العالمية والإقليمية تدل على هذه النتيجة المؤلمة، فمتوسط القراءة في العالم العربي، وهو قلب العالم الإسلامي ست دقائق في السنة، بينما متوسط القراءة في إحدى الدول الأوروبية يساوي مائتي ساعة في السنة، وما تطبعه كل دور النشر العربية أقل من نصف ما تطبعه إسرائيل في نفس الفترة، ويتراوح عدد النسخ المطبوعة في كل كتاب في الدول العربية ما بين الألف والستة آلاف نسخة، مقابل عشرات الآلاف من النسخ في دول الغرب. ومع كل هذه الإحصاءات المزرية التي تدل على قلة القراءة، فإنَّ نوعية القراءة هي الأخرى متردية، وقمة السخرية أن تعلم أن أكثر الكتب مبيعًا في الوطن العربي هي كتب الطبخ والتنجيم، بعد أن كنا في يوم من الأيام نزهو ونتصدر ركب التطور والحضارة.هذا وقد مات الجاحظ تحت كتبه، وتوفي الإمام مسلم صاحب الصحيح وهو يطالع كتاباً، وكان أبو الوفاء ابن عقيل يقرأ وهو يمشي، وقال ابن الجوزي: قرأت في شبابي عشرين ألف مجلدة.وقال المتنبي: وخير جليس في الزمان كتاب. قيل لابن المبارك مرة: ما لك لا تجالسنا؟ فقال: أنا أذهب فأجالس الصحابة والتابعين، وأشار بذلك إلى أنه ينظر في كتبه. فاقرأ وطالع يا عبد الله، وتجول بين الحدائق، واقتبس من كل بستان زهرة، ولا تقف عند علم واحد، فإن المرء عدو لما يجهل. قال أحد العقلاء: صحبت الناس فملوني ومللتهم, وصحبت الكتاب فما ملني ولا مللته. وقد سرني الجهد المبذول في معرض الكتاب لهذا العام 1433ه وتنوع دور النشر ووفرة الكتب، وكذلك إقبال الناس بجميع أطيافهم للمعرض وزيارته, ولعلي أهمس في أذن وزارة التربية والتعليم بتخصيص برامج توعوية خاصة بالقراءة تتزامن مع معرض الكتاب أو قبله استعداداً له في غرس حب الكتاب وكيفية اختيار الكتاب وحب القراءة وكذلك تقديم دورات متخصصة لبعض المعلمين في كيفية غرس القراءة في نفوس الطلاب واختيار الكتب المفيدة فهي فرصة سانحة. أخيراً: لقد آن للوطن العربي والإسلامي أن يستيقظ من سباته العميق ويمحو الأمية وينشر العلم والقراءة والكتابة فو الله إن نور العلم لكفيل بإزهاق الجهل وأهله. وصدق من قال إن الإنسان بلا قراءة قزم صغير، والأمة بلا كتاب قطيع هائم.