يعن الله سعيد الغامدي لعله من المخجل، أن أمة اقرأ لا تقرأ! تقول إحدى الباحثات، إنها أعدت دراسة قبل ثلاث سنوات على أحد مراكز التدريب النسائية بالمملكة، حول القراءة واستخدام المكتبة الموجودة بالمركز، فكانت النتائج المذهلة، 42% من المتدربات طوال سنوات التدريب لم يدخلن المكتبة! و70% يقرأن مايطلب منهن، ومعظمها مناهج مدرسية، و66% قراءتهن تقتصر على المجلات النسائية والصحف المحلية.وإذا كانت القراءة أداه لكسب المعارف والعلوم عند الإنسان، ومتعة للنفس وغذاء للعقل، ورياضة للروح، فهي وسيلة تواصل بين الناس، كما أنها جزء من اللغة، وقد تكون الكتابة الواجهة الأخرى لها. ومما رفع قدرها، ماجاء به الأمر الإلهي من الوحي، للنبي الأمي، خاتم الأنبياء وسيد المرسلين (صلى الله عليه و سلم ) عند أول اتصال له بين السماء والأرض، بكلمة اقرأ وكررها ثلاثا.وستظل أمه اقرأ هذه، التي لا تقرأ، في حاجة للقراءة، رغم تطور المعلومات في عصر التكنولوجيا، التي لن تكون بديلاً عن كل أهداف القراءة من خزائن الكتب. يقولون: نحن أمة لا تقرأ، وإذا قرأت لا تفهم، وإذا فهمت لا تطبق، وقد كشفت بعض الدراسات، أن معدل القراءة عندنا 6 دقائق في السنة! وفي بعض دول الغرب 200 ساعة، يالها من مفارقات. في الماضي عندما يسألك الآخر عن هوايتك المفضلة لديك تجيبه مباشرة: القراءة والكتابة والسباحة، وبعضهم يقول جمع الطوابع وركوب الخيل.. إلخ. وفي زمننا هذا، ومن خلال المرئيات العامة والإغراءات المتداخلة، أصبحت الهوايات المفضلة هي: كرة القدم وسماع الأغاني، وربما تعجب أكثر إذا عرفت أن هواية السمين ذي الوزن الزائد هي الرغبة في الأكل! والكسول الذي لا يحب الحركة هوايته النوم! وهي ليست هواية إنما عادة، وربما مرض، وليت القراءة والاطلاع حينها تكون مرضاً كمرض الأكل ومرض النوم.إن القراءة لها طعم خاص لمن كانت له هواية، سواء كانت القراءة بصمت أو بصوت مرتفع، حسب العادة، بعد الفجر أو وقت الفراغ، أو حسب المزاج، لأن الكتاب هو الجليس الذي لا يلهيك، والصديق الذي لا يغريك، والرفيق الذي لا يملك، والناصح الذي لا يغويك، وهو مفتاح كل علم. أما وإن كانت القراءة ليست هواية، كما هي الآن، فليس غريبا إذا لم يكن بالبيت مكتبة، وهي إن وجدت، فللزينة ليس إلا، أو من كماليات أثاث المنزل فقط! ويزداد الأمر غرابة إذا كان كتاب فقه السنة لسيد سابق من ثلاثة مجلدات كبيرة بسبعين ريالاً، وكتاب صغير للطبخ مثلاً بخمسمائة ريال! هل لأن البطون أهم من العقول؟!انظر في الزحف إلى حفلات الولائم والأفراح، تراها أكثر بكثير من الزحف إلى مسارح الأندية الأدبية والثقافية مثلاً، أما المكتبات المنزلية، فهي أقل اهتماماً من الثلاجات الملونة بالمنزل، منها الواقفة والمنقعرة الإيستيلية والزجاجية، ليرهبون بها الفقر والجوع كما يفكرون. في مدننا كما يقولون، بين كل مطعم ومطعم مطعم، أما المكتبات، فقد توارت من شوارعنا خجلا وألماً! اللهم إلا من مكتبات قرطاسية أو مدرسية لا تقدم علماً ولا تغني عن ثقافة! ألا يكفي مثلا عندنا ترى متسابقا في «الرائي» أو أي مسابقة ثقافية كيف يصنع؟ يشتغل على الهزاز تارة، وعلى الصامت تارة، لايفقه شيئاَ، زيادة في الوزن وخفة في العقل!قال أحمد بن أبي عمران: كنت عند أبي أيوب أحمد بن محمد بن شجاع وقد تخلف عنا عبدالله بن الأعرابي صاحب الغريب، فبعث غلاما من غلمانه يدعوه، فعاد إليه الغلام وقال: قد سألته المجيء وقال لي: (عندي قوم من الأعراب فإذا قضيت منهم إربي أتيت، ثم ما شعرنا حتى جاء فقال له أبو أيوب: يا أبا عبدالله سبحان الله تخلفت عنا وحرمتنا الأنس بك، ولقد قال لي الغلام: إنه ما رأى أحدا عندك وقلت: أنا مع قوم من الأعراب فإذا قضيت منهم إربي معهم أتيت، فقال بن الأعرابي: (لنا جلساء ما نمل حديثهم ألباء مأمونون غيبا ومشهدا/ يفيدوننا من علمهم علم ما مضى وعقلا وتأديبا ورأيا مسددا/ بلا فتنة تخشى ولاسوء عشرة ولا تتقي منهم لسانا ولا يدا/ فإن قلت أمواتا فلا أنت كاذب وإن قلت أحياء فلست مفندا)