في مقال الأسبوع الماضي أشرت إلى أنه رغم ما يبدو من نجاح ظاهر لصناعتنا البتروكيماوية إلا أن تكاليفها الاقتصادية قد تكون أكبر بكثير من مكاسبنا منها. يأتي على رأس هذه التكاليف اضطرارنا إلى حرق ما يزيد على مليون برميل يومياً من النفط الخام عالي القيمة لتوليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه بدلاً من استخدام الغاز الأرخص سعراً، الذي يُستهلك معظم إنتاجنا منه في الصناعة البتروكيماوية رغم أن عوائد هذه الصناعة تقل كثيراً عما تتسبب فيه من فاقد في الإيرادات النفطية. وقدرة الشركات البتروكيماوية، بفضل الغاز منخفض التكلفة، على تحقيق أرباح كبيرة من مجرد تحويل هذا الغاز إلى منتجات بتروكيماوية أولية محدودة القيم المضافة جعلها غير حريصة ولا مهتمة في الدخول في تصنيع المنتجات البتروكيماوية الأكثر تقدماً، ما تسبب في إعاقة تطور هذه الصناعة على الرغم من مرور ما يزيد على 30 عاماً على قيامها. والسؤال الآن هو كيف لنا أن نجمع بين هذه الحقيقة الواضحة وبين ما يردد دائماً من أن لدينا ميزة تنافسية في الصناعة البتروكيماوية، والتي تعني بالضرورة أن التوسع في هذه الصناعة وتشجيعها يجب أن يحقق مكاسب اقتصادية للمملكة تفوق تكاليفها، فالجمع بين الأمرين غير ممكن إطلاقاً، ويجب أن يكون أحدهما صحيحاً والآخر غير ذلك. هذا التناقض الغريب يأتي من خطأ في فهمنا لما يُمكن اعتباره ميزة تنافسية بحيث أُطلقت على ما ليس كذلك، ولإيضاح المقصود بمفهوم الميزة التنافسية لنفرض أن دولة ما تملك مساقط مائية استغلت في توليد الطاقة الكهرومائية وكان إنتاجها من الضخامة بحيث إنها وبعد تلبية كافة احتياجاتها بقي لديها طاقة كهربائية فائضة، وحتى ترفع من كفاءة استغلالها قررت تشجيع قيام مشروعات صناعية من خلال تعهدها بتأمين احتياجاتها من الطاقة بسعر التكلفة. في هذه الحالة يمكن القول إن هذه الدولة تملك ميزة تنافسية تتمثل بانخفاض تكلفة إنتاج الطاقة الكهربائية ما يجعلها قادرة على إنتاج سلع معينة بتكاليف أقل من دول أخرى منافسة لها. من ثم فإن الميزة التنافسية تعني بالضرورة عدم وجود تكلفة فرصة بديلة لاستخدام العنصر الإنتاجي، أي ألا يكون هناك استخدام آخر له يعطي عائداً أعلى، فالطاقة الكهرومائية الفائضة في هذه الدولة، على سبيل المثال، لو لم يتم استغلالها في قطاع الصناعة فقد تذهب هدراً، ما يعني أن تكلفة فرصتها البديلة في هذه الحالة تبلغ صفراً. والسؤال الآن هل حصول شركات البتروكيماويات في المملكة على الغاز المصاحب والنفط الخام بسعر يقل كثيراً عن أسعارها العالمية يعني أننا نمتلك ميزة تنافسية في الصناعة البتروكيماوية؟. الإجابة بكل وضوح هي لا، نظراً لوجود تكلفة فرصة بديلة عالية جداً للغاز والنفط المُباع بسعر زهيد إلى شركات البتروكيماويات، تتمثل في الفرق بين سعر بيعه وسعره في السوق العالمية وأيضاً في العوائد النفطية الضائعة نتيجة اضطرارنا إلى توجيه جزء كبير من إنتاجنا النفطي لتوليد الكهرباء وتحلية المياه بدلاً من تصديره. ما يجعل من غير المنطقي أن نقول إننا نملك ميزة تنافسية في الصناعة البتروكيماويات، في ظل كونها ميزة مصطنعة وغير حقيقية، تسببت في الواقع في تحميل اقتصادنا الوطني لتكاليف اقتصادية عالية جداً، كما تسببت في توسع مبُالغ فيه في صناعة البتروكيماويات بل وفي عدد شركات هذا القطاع، رغم كونه قطاع صناعة حجم كبير ترتفع كفاءته بوجود عدد محدود من المنتجين لا العديد منهم. من ثم من الضروري جداً قيامنا عاجلاً بوضع إستراتيجية جديدة تجعل الأولوية في استخدام الغاز المنتج محلياً لعمليات توليد الكهرباء وتحلية المياه، وأي عجز في تلبية احتياجات شركات البتروكيماويات من الغاز يتم تأمينه من مصادر خارجية بسعره العالمي. - أكاديمي وكاتب اقتصادي