الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وجعلنا من خير الأنام، والصلاة والسلام على نبينا محمد المبعوث رحمة للعباد، وعلى آله وصحبه والتابعين.. وبعد: فإن من أجل النعم، وأعظم المنن أن كرم الله سبحانه هذه الأمة المحمدية، وفضلها على سائر الأمم، فجعلها من خير أمة أخرجت للناس، ومناط الخيرية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم موصول ومرهون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، المنبثق عن الإيمان بالله وحده ورسوله صلى الله عليه وسلم، والمبني على العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} آل عمران (110)، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أنتم توفون سبعون أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله تعالى) رواه الترمذي. ويأتي اهتمام ولاة الأمر في هذه البلاد المباركة -وفقهم الله- بالقرآن الكريم، والاعتناء به وتعظيمه، وتشجيعهم لحفظته والمتقنين له امتداداً لخيرية هذه الأمة المحمدية، واتباعاً لمنهج السلف الصالح من عصر الصحابة والتابعين في صدر الإسلام، واقتدائهم بهم فيها كانوا عليه من عناية فائقة بهذا الأصل العظيم كتاب الله العزيز تعلماً، وتعليماً، وعملاً، وحفظاً، وتدبراً لمعانيه، وتأدباً بآدابه، وتطبيقاً له في جميع شئون الحياة، حيث كانت مساجدهم، وبيوتهم عامرة بتلاوته، وحفظه، وتعلم أحكامه آناء الليل وأطراف النهار كما شرع الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا من فضل الله ورحمته بعباده، وتمام نعمته عليهم أن هيأ وسخر من يحفظ كتابه العزيز، دستور الشريعة الإسلامية، ومعجزة الإسلام الخالدة، قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الحجر (9). وإن من أهم وأبرز ما يذكر في هذا الشأن فيشكر ما قام به صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز وزير الدفاع -وفقه الله- من إقامة مسابقة سموه لحفظ القرآن الكريم للبنين والبنات، والتي تحظى برعاية كريمة، وعناية خاصة، ودعم مادي ومعنوي من سموه الكريم، فقد بذل -حفظه الله- بسخاء في سبيلها، وشجع على استمرارها، حتى أضحت من أكبر المسابقات المتميزة المهمة في حفظ القرآن الكريم، وهذه المسابقة بلا شك من الإعانة على البر والتقوى، ومن الباقيات الصالحات إن شاء الله تعالى، وتضاف إلى حسنات ومناقب ومكارم سموه الكثيرة في سبيل دعمه لما يخدم الإسلام، ويهم المسلمين في دينهم ودنياهم. وقد أتت هذه المسابقة المباركة ثمارها اليانعة، وظهرت نتائجها الطيبة وآثارها الحسنة على الفرد والمجتمع خاصة على المتسابقين فيها، وهذا فضل كبير ونعمة كبيرة منَّ الله بها على عباده لا سيما أنها تستهدف أهم طبقة في المجتمع، وهم شباب وشابات الإسلام، عماد الأمة الإسلامية، ورجال وأمهات الغد وبناة المستقبل، فقد أحيّت هذه المسابقة روح التنافس المحمود بينهم فيما فيه سعادتهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة؛ وذلك لأن ربطهم بكتاب الله العزيز مصدر عزتهم، وقوتهم، وهيبتهم، وتمكين الله لهم، وتشجيعهم على حفظ، وتعلم أحكامه، وتدبر معانيه أدعى لقوة إيمانهم، وذلك بفعل ما أمر الله به، واجتناب ما نهى عنه، والوقوف عند حدوده مما يكون لذلك أبلغ الأثر في تهذيب سلوكهم، وتربيتها على حب كتاب الله، والتأدب بآدابه، والتخلق بأخلاقه، وتطبيقها تطبيقاً سلوكياً وعملياً، كما شرع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبذلك ينشأ شبابنا تنشئة إسلامية سليمة مبنية على منهج سليم، وطريق مستقيم، ومسلك قويم، وفهم كتاب الله العزيز على نور وبصيرة تكون لهم بعد توفيق الله تعالى عوناً على تحصينهم ضد المبادئ الهدامة، والأفكار الفاسدة، وعاصمة لهم بمشيئة الله من الوقوع في ضلالات الشبهات، وفتن الشهوات، وسبباً في حمايتهم من الانحراف العقدي، والتطرف الفكري، وبذلك تتحقق الخيرية التي وعدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحفظة كتاب الله العزيز بقوله: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) وهذا مصداق لقول الله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} الإسراء(9). ولذلك اختص الله أهل القرآن بأنهم أهله وخاصته، روى أنس بن مالك رضي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله أهلين من الناس، فقيل من أهل الله فيهم، قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته)، أخرجه الإمام أحمد، والنسائي، وابن ماجه. وعملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يشكر الله من لا يشكر الناس).. فإنني أشكر صاحب السمو الملكي الأمير/ سلمان بن عبدالعزيز وزير الدفاع على إقامة هذه المسابقة المباركة، ورعايته الكريمة، ودعمه المتواصل لها، وأسأل الله -عز وجل- أن يجزيه على هذا العمل المبرور إن شاء الله أعظم الجزاء وأوفره، وأن يخلف عليه خيراً مما بذل في سبيل ذلك، وأن يمتعه متاعاً حسناً مقروناً بطول العمر، وحسن العمل، كما أسأله تعالى أن يعينه على ما وكل إليه، وأن يوفقه لكل ما فيه خير للإسلام والمسلمين. كما أشكر وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد على تنظيمها لهذه المسابقة المباركة، وأسأل الله تعالى أن يجزي القائمين والمشرفين على هذه المسابقة أعظم الجزاء وأوفره، وأن يثقل بذلك ميزان حسناتهم يوم لقائه، وأن يمدهم بعونه وتوفيقه، وأن ينفع بهذه المسابقة الإسلام والمسلمين والمتسابقين فيها، إنه سميع قريب مجيب.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، والتابعين. * المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء