لقد تميز التقدم في المواصلات عبر العصور بالاختراعات، ولم يكن لأي وسيلة من وسائل المواصلات أثر أكبر من الأثر الذي أحدثته السيارات، إذ بعد التحسينات التي كانت ممكنة باختراع العربة التي تجرها الخيول والقطارات والدراجات الهوائية، فإن السيارات تمثل قفزة لم يسبق لها مثيل في حراك الإنسان، ولما كانت قيادة السيارات قد مكنت الناس من قطع المزيد والمزيد من الكيلومترات فإن الزيادة المطردة في السفر قد أصبحت العلامة الفارقة على التقدم. وعلى أية حال فإن النمو المتعاظم بشدة في السفر بالسيارات خلال العقود الماضية أخذ يتحدى الأفكار التقليدية حول معنى التقدم في المواصلات، فمن الجدير بالاهتمام بالنسبة للدول الصناعية السؤال عما إذا كان الحراك المتزايد باطراد الذي أغدقته السيارات على الناس لا يزال يحسن من وصول الناس إلى الجهات التي يقصدونها أم أن الأمر لا يعود كونه أنه قد توجب على الناس الآن السفر إلى الأماكن الأبعد والأبعد للحصول على الأسواق ومواقع العمل وغيرها من الأماكن الحيوية؟ أما في الدول النامية فإن السفر بالسيارات لا يفيد مباشرة إلا الصفوة القليلة من المجتمع، في الوقت الذي بقيت فيه أوضاع جموع الناس على حالها. وخلال البحث عن حلول لمشاكل المواصلات المتفاقمة أخذت المجتمعات تركز على تصميم التقنيات الجديدة. فالمهندسون يسعون للحد من الاهتمام على النفط بصورة كبيرة، وتدغدع آمال الذين يتنقلون يومياً بين الضواحي والمدينة بالقول: إن الازدحامات المرورية سوف تنتهي عندما يبدأ استعمال الحافلات الذكية. ورغم ما لتقنيات القرن الحادي والعشرين من بريق فإنها على أية حال ليست بالابتكارات الكافية ذلك لأنها تفشل في التصدي للأسباب الأساسية للمشاكل التي نعاني منها حالياً، المتمثلة في اعتمادنا المتعمق على السيارات. تقول مارسيا لو في ثنايا تقرير (أوضاع العالم 1994م) لا يتمثل التحدي الأكبر بالنسبة للابتكارات في مجال المواصلات في مجرد إعادة تصميم المركبات بل إن هذا التحدي هو في إعادة اختراع مفهوم الغاية من المواصلات ذاتها. وبعد عقود من السعي للسفر الأسرع زمنياً والأطول مكانياً، فإن التقدم المستقبلي في هذا المجال سيقتضي منا اتباع طريقة أكثر تعقيداً أي طريق تهدف إلى تمكين الناس من الوصول إلى الأماكن والأشياء التي يحتاجونها بطريقة تحمل في ثناياها أقل قدر ممكن من الدمار. وإذا تحقق هذا التغيير في الأولويات، فإنه سيكون لدى المجتعات الأقل من السفر المضني، وستعطي هذه المجتمعات قيمة أعلى لأنماط السفر التي لا تؤدي إلى ذلك الدمار، مثل المشي وركوب الدراجات الهوائية والمشاركة في السيارة الواحدة والحافلات والقطارات، ولربما كان الأهم من ذلك اعادة التفكير في أنماط استخدام أراضي المدن لكبح جماح اعتمادنا على السيارات. ومما يضع الملح على الجرح فعلاً أنا لمجتمعات تحتقر الناس الذين يتوجب عليهم العيش بدون سيارات أو الذين يقومون بذلك بمحض اختيارهم. فقد كتب جون بوشر يقول: إن الناس الذين لا يملكون سيارات في أمريكا لا يعانون من حرية الوصول الأقل فحسب، بل ينظر لهم من قبل بعض الأمريكيين ل(شواذ) فعلاً! ختاماً أقول: في هذا القرن قد يستطيع عدد من تقنيات السيارات يجري الآن تطوير المساعدة في تخفيف النتائج السلبية لحركة نقل المسافرين حيث شرع بعض المهندسين والمستثمرين إلى حد كبير بسبب ازدياد صرامة اللوائح التي فرضت مؤخراً على تلوث الهواء المتعلق بالسيارات، في أسلوب جديد تماماً من أساليب تصميم السيارات، قد يستطيع بالفعل القضاء على استخدام النفط والانبعاثات الهوائية. كما يحاول آخرون تخفيض الاختناقات المرورية بالاتصالات الإلكترونية التي يأملون أنها ستجعل السيارات والطرق السريعة التي نسافر عليها أكثر براعة. وآمل أن تحقق هذه التقنيات الآمال المعقودة عليها تجاه الازدحامات والاختناقات والملوثات والخسائر البشرية.