في لقائه مع نائب وزير الخارجية الصيني تشاي جون الذي زار سوريا الأسبوع الماضي أشار بشار الأسد لأول مرة أن سوريا تواجه خطر التقسيم؛ جاء ذلك حسب ما نشرته وكالة الأنباء الرسمية السورية «سانا». وخطر التفتت الذي أشار إليه الأسد هو في الواقع خياره الأخير كما سيق وذكرت في مقال سابق؛ فليس أمام بشار الآن، وانتفاضة السوريين تقترب من قصره في دمشق، إلا أن يخلط الأوراق ويقلب الطاولة، ويجزئ سوريا على أساس طائفي وإثني، وينجو من تبعات جرائمه وجرائم شبيحته، بالهرب إلى جبال العلويين، وإعادة (الدولة العلوية) وعاصمتها اللاذقية مرة أخرى إلى الوجود، ويترك بقية سوريا للسنة وغيرها من الطوائف المكونة لفسيفساء المجتمع السوري؛ خاصة وأن الجرائم الدموية الشنيعة والبشعة بلغت حداً لن يفلت من تبعاتها إلا إذا صنع له حصناً حصيناً ولاذ فيه هو ومن معه من أبناء طائفته الذين ولغوا في دماء السوريين. الأسد يعرف يقيناً أن إسرائيل سترحب بالتقسيم إن لم تكن تعمل معه من الآن على تنفيذه؛ فقد صرح رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق الجنرال في الاحتياط «عوزي ديان» لإذاعة الجيش الإسرائيلي نقلتها صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية قائلاً: (إن فكرة انفصال الأكراد وإقامة دولة كردية في شمال سوريا، ودراسة احتمال إقامة حكم ذاتي للأقلية العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد، يصب في مصلحة إسرائيل). وهذا بلا شك صحيح؛ فمن مصلحة إسرائيل الإستراتيجية أن تقوم في المنطقة كيانات عرقية وطائفية وإثنية على غرار إسرائيل؛ إضافة إلى أنها تعي أن تجزئة سوريا على أساس طائفي سيجعل العدوى تنتقل إلى بقية الدول العربية ذات التعددية الطائفية كلبنان والعراق، وكلما تفتت الدول في المنطقة كان ذلك في مصلحة إسرائيل؛ حيث سيسهل التدخل في شؤون تلك الدويلات الصغيرة والضعيفة اقتصادياً، والتحكم في توجيهها الوجهة التي تخدم المصلحة الإسرائيلية؛ إضافة إلى أن وجود مثل هذه الكيانات الطائفية سيبرر وجودها كدولة محض يهودية، خالية من العرب، وهي الغاية التي تسعى إلى تحقيقها إسرائيل بأي ثمن منذ إنشائها. مؤتمر (أصدقاء سوريا) الذي سينعقد في تونس سيكون نقطة مفصلية وهامة لإفشال أهداف الأسد وإسرائيل، وإجهاض مخطط التفتيت؛ إذا نجح المجتمعون أن يضغطوا لتوحيد صفوف المعارضة السورية، وتجميعها في تنظيم واحد، كما هو هدف هذا المؤتمر الأول حسب ما هو معلن. فمثل هذا التشتت والاختلافات بين أطياف المعارضة لا يطيل من بقاء الأسد فحسب، وإنما يجعل الوضع يتفاقم، ومشاريع تفتت سوريا تتجذر، لتصبح واقعاً مع مرور الزمن، ويكون من الصعوبة مستقبلاً تلافيها. ودون أن تتوحد المعارضة في تنظيم واحد يكون هو الممثل (الوحيد) للمعارضة السورية الموحدة، فسوف تطول القضية، وتتعقد؛ وهذا يخدم بلا شك الأسد، ويجعله يقطع شوطاً كبيراً في تنفيذ مخططه الأخير لتجزئة سوريا إلى دويلات، وإعادة دويلة العلويين إلى الوجود ثانية. في تونس سيكون هناك فرصة نادرة، ربما تكون الأخيرة، لإبقاء الكيان السوري كما هو عليه الآن موحداً بعد سقوط الأسد، وإلا فإن مصيراً كمصير يوغسلافيا ينتظر سوريا الموحدة.. القضية تتفاقم، والأسد يسعى بوضوح إلى الحرب الأهلية الطائفية، ومن ثم إلى التقسيم؛ ومن مصلحة إسرائيل أن تتفتت دول المنطقة وتتشظى، وليس أمام المعارضة إلا الاتفاق فيما بينهم على الحد الممكن من الأهداف المشتركة، وتأجيل التباينات والاختلافات إلى ما بعد سقوط الأسد. الوضع بلغ من الخطورة حداً لا يتحمل الاختلاف، لأن ما يختلفون عليه اليوم ربما يصبح غداً غير موجود. إلى اللقاء.